إن كانت حرية الإنسان حقًا، فإن نفس الإنسان مقدسة، ولا يستقيم منطق كل منهما، إلا بالتوازن بين الحق والقداسة، كما التوازن بين الانجازات والتضحيات، أو بين النصر والحقائق والوقائع الملموسة على الأرض (النتائج). وحتى نواجه خطاب الفقاعات الصابونية الذي أطلقه رئيس حماس خليل الحية، عشية صفقة، لم تأخذ في الاعتبار، الأنفس المقدسة التي أوديت للتهلكة، والدماء المسفوكة، والأرواح التائهة، في دروب مستقبل مسدودة بالركام، تركه قادة حماس الحاذقون بصناعة الأوهام، الصور الهوليودية، وتسويق الفشل كبضاعة انتصار للمواطنين، ليبحثوا عن مخرج في آفاق مظلمة قاتمة، تركوا شخصية الإنسان الفلسطيني في غزة محطمة، لا تختلف كثيرًا عن الحطام والركام الاسمنتي حولها، ولا يعرف ضحية عبثهم وفشلهم، كم تحتاج للتعافي، وكيفية تحرير أجيال من تداعيات المآسي والمعاناة.
وحتى لا نترك مجالاً لأحد، لا يرى شعبنا الفلسطيني، إلا حطبًا مشتعلاً، ويده في الماء، يتلذذ باحتراقه، ملقيًا عن كاهله المسؤولية الوطنية أو القومية أو الإنسانية، ومطلقًا العنان للسانه في فضائيات الخديعة والتضليل، متحدثًا، غير عابئ بحجم وفظاعة الثمن، تفضلوا، ودققوا في هذه الحقائق المعلومة والموثقة حتى الآن منذ انطلاق حملة الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني إثر 7 أكتوبر 2023 (ذريعة) نتنياهو رئيس حكومة الصهيونية الدينية العنصرية والمستعمرين، لدى منظومة الاحتلال الاستعمارية، فقائمة الشهداء، تضم أكثر من 47 ألف اسم، كلهم مواطنون فلسطينيون في قطاع غزة أبرياء، جلهم من النساء والأطفال الذين لا علاقة لهم بالحروب ولا يريدونها، فهؤلاء خسائر تكتيكية عند خالد مشعل، الذي راهن سنة 2008 على أشلاء وجثامين الأطفال والعجائز والشيوخ، لتغيير المعادلة لصالح جماعته (حماس)، ولم يقل للصحفي الفرنسي حينها، لصالح فلسطين فحتى الآن 17 ألف طفل شهيد، وأكثر من 14 ألف امرأة، أي ما يعادل 70% من الشهداء، رغم أن التقديرات تفيد باستشهاد 70 ألف انسان فلسطيني، بينهم حوالي 10 آلاف شهيد ما زالت جثامينهم تحت الأنقاض، و12 ألف تلميذ وطالب، و149 اكاديميًا، و204 صحفييين، و902 عائلة مسحت من السجل المدني، و1050 من العاملين في الرعاية الصحية، و19 ألف طفل أصبحوا أبناء شهداء بلا والدين (يتامى) و35 ألفًا فقدوا أحد الوالدين، علاوة على 2300 شهيد ما زالت جثامينهم محتجزة لدى جيش الاحتلال الاسرائيلي.
أما الجرحى فإن آخر رقم معلن بلغ 111 ألف جريح، منهم 5230 أصيبوا بإعاقات دائمة، وسط 2 مليون نازح، منهم 1,8 مليون مواطن بحاجة ماسة للمأوى الصالح للحد الأدنى من الحياة، منهم 345 ألفًا يواجهون نقصًا في الغذاء، ما يعني تحول المواطن إلى جائع في بلد الخيرات! وكل ذلك في محيط بنية تحتية مدمرة، تقدر بـ 42 مليون طن ركام، تحتاج وفقًا لدراسات علمية إلى 14 سنة لرفعها فقط كحد أدنى. فكل 9 من عشرة أبنية سكنية، باتت ركامًا، وكذلك 534 مدرسة، و34 مستشفى خرجت من الخدمة من أصل 36، و68% من الطرقات، و330 ألف متر مكعب من شبكات المياه، و655 كم من شبكات الصرف الصحي، و3130 كيلو متر من شبكات الكهرباء، و40% من الأراضي الزراعية جرفت، و82% من الشركات المشغلة لأصحاب الشهادات والقدرات العاملة قد دمرت، فيما غادر القطاع 100 ألف مواطن.
أما اقتصاد قطاع غزة، فإنه حسب تقديرات الباحثين، فإنه يحتاج ما لا يقل عن أربعة عقود لاستعادة عافيته وبلوغ مستوى ما كان عليه سنة 2022. فهل هذا انتصار؟ إذا وضعناه في كفة ميزان، وفي الكفة الأخرى صفقة حماس مع نتنياهو على إيقاف إطلاق النار كما كشف العضو في قيادتها (باسم نعيم)، وهل الانتصار يعني القبول بإبعاد أسرى محررين عن وطنهم فلسطين؟.
ولماذا قادة حماس وناطقوها يغرقون اسماع الجماهير بطوفان خطابٍ جديد، ويتحدثون بصراحة عن القبول بدولة فلسطينية مستقلة، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، واستعدادهم للالتزام بها، علمًا أنهم ذاتهم اعتبروا خطاب منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، حول الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 حزيران 1967 لمدة ثلاثين عامًا، تنازلاً وخيانة؟ وهم يعلمون أن الانتصار الحقيقي للشعب الفلسطيني يكمن في تجسيد استقلال قراره الوطني وقيام دولته ذات السيادة. وألا يأخذ أحد مصير الشعب ووجوده، ويزجه في معارك وحروب دول إقليمية، وأن يحتكم لمنهج العقلانية والواقعية السياسية والصبر والعمل بإخلاص، من أجل تثبيت الوجود الفلسطيني على أرض الوطن، في ظل السلام، وليس الهجرة والمغادرة منها وقت الشدائد والمحن.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها