تم أمس الاثنين 20 كانون الثاني/يناير تنصيب دونالد ترامب، رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة في ولايته الثانية، وألقى خطاب "العصر الذهبي" لأميركا مع عهده المتجدد، ولا أريد التوقف أمام ما ورد في خطابه عن التهجير لنحو نصف مليون إنسان من جنسيات مختلفة، ولا عن زيادة الرسوم الجمركية على كندا والصين والمكسيك بنسبة 25%، ولا عن العفو الذي سيمنحه لمرتكبي أحداث الكابيتول في 6 كانون الثاني/يناير 2021، ولا عن تغيير الدستور بشأن منح الجنسية للولادات الجديدة، ولا زيادة الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، ولا عن أولوياته المختلفة، التي أشار لها أثناء حملته الانتخابية، وكررها مرارًا وتكرارًا، وإنما سأحصر نقاشي في هذه الزاوية على ما نقلته صحيفة "دايلي نيوز" الصادرة أول أمس الأحد 19 كانون الثاني/ينايرعن الرئيس الـ47 بشأن حرائق كاليفورنيا، ولي عنق الحقيقة فيها.
ومما جاء على لسانه، أن استخدام مواردنا لحماية الأنظمة الحاكمة في الخليج، هو الذي أدى إلى تفاقم خسائرنا في كارثة الحرائق. وأضاف نحن نقدم لهم خدمة مجانية منذ عقود كلفتنا الكثير، وعليهم أن يدفعوا لنا ثمن حمايتهم، وبأثر رجعي، ولولا حمايتنا لهم لكانت اليوم كل مشيخات وإمارات ومملكات الخليج عبارة عن ولايات إيرانية تتحدث اللغة الفارسية. ولكانت مكة عاصمة للدولة الحوثية. وفي استحضار ابتزازي للمملكة العربية السعودية، قال: وهل تطلب منا السعودية أن نتجاهل تطبيق قوانيننا فيما يخص قضية خاشقجي الحامل للإقامة الدائمة في بلادنا؟ ولجأ لسياسة الضغط عبر الابتزاز أيضًا بالتلويح بملف حرب السودان لعدد من دول الخليج بالقول، وهل تطلب من الإمارات والسعودية والبحرين أن نتغاضى عن انخراطهم في حرب السودان التي دمرت بلد بأكمله؟ ولم يترك الكويت وقطر وعُمان من ابتزازه، حيث أعلن، هل تطلب منا الكويت وقطر وعُمان أن نتغافل عن عدم عقدهم صفقات أسلحة معنا منذ مدة طويلة؟ وخلص إلى التأكيد، نقول لهم بكل وضوح أن الثمن غالي جدًا، وإدارتي ليست كالإدارات السابقة"
ما تقدم يشير بوضوح إلى أن الرئيس ترامب يريد استحضار ما حصل أثناء حضوره القمة الإسلامية في الرياض في 20 أيار/مايو 2017 عندما وقع صفقات أسلحة مع السعودية بقيمة 460 مليار دولار أميركي. وكأنه يريد من خلال ما طرح العودة إلى ذات الأسلوب الاستفزازي لفرض إملاءاته على دول الخليج العربي لإرغامهم على إبرام صفقات شراء أسلحة من الولايات المتحدة، كشكل من أشكال دفع الجزية لإدارته الجديدة، مع أن دول الخليج العربي تربطها علاقات المفترض أنها استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية، وتحرص جميعها بتباين نسبي على توطيد أواصر تلك العلاقات ارتباطًا بمصالحها الخاصة والعامة.
ومن الواضح أن واشنطن ودولتها العميقة لا تتعامل مع الدول العربية كحلفاء استراتيجيين أو تكتيكيين، وإنما كدول تابعة مطلوب منها أن تدفع الثمن بشكل دوري للولايات المتحدة، وفق ما جاء في حديث الرئيس ترامب. ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها على الرئيس الـ47 وكل أقرانه من رؤساء الولايات المتحدة، هل تقومون بالحماية مجانًا، ولسواد عيون الأنظمة العربية، أم أنكم تحمون مصالحكم الحيوية في الإقليم؟ ولماذا تقيمون قواعدكم العسكرية في الدول العربية الخليجية وغير الخليجية؟ هل هي مقامة للدفاع عنها أم للدفاع عن إسرائيل وأميركا والغرب الامبريالي عمومًا؟ وما علاقة حرائق كاليفورنيا بكل ما ذكرته؟ هل الأنظمة العربية هي التي تسببت في تلك الحرائق، أم تمت نتاج الأحوال الجوية العاصفة في بلادكم؟ وهل أنت حريص على مصالح ووحدة السودان الشقيق؟ ولماذا فرضتم التقسيم في السودان؟ وما هو المنطق الذي دعاك للربط الاسقاطي الرغبوي، الخارج عن كل منطق عقلي؟ وهل طلبتم من دولة إسرائيل المارقة أن تدفع لكم مليمًا واحدًا مقابل ما تدفعونه لها على مدار عقود، أم أنكم تجبون من العرب لتمولوا أداتكم الوظيفية اللقيطة والمارقة؟ وهل تطلبون من كل الدول التي تقيمون فيها قواعد عسكرية والتي تقدر بـ750 قاعدة في القارات المختلفة أن تدفع لكم بهذه الطريقة العدوانية والبشعة؟ وهل تعتقد أيها الرئيس بهذه الطريقة تبنى العلاقات الإيجابية مع الدول؟ وهل أسلوبكم الفج والغليظ والعدواني يخدم مصالحكم، أم العكس؟.
من المؤكد أن إدارة ترامب الجديدة تحمل إخطارًا على نفسها، وعلى الولايات المتحدة، لأن المنطق الذي يتعامل به مع الحلفاء وغير الحلفاء يهدد مكانة ودور الولايات المتحدة ليس في الوطن العربي، وإنما مع الاتحاد الأوروبي، وهذا ما أعلنه أمس رئيس الوزراء الفرنسي، عندما حذر دول الاتحاد بالاستعداد للرد على تهديداته، وكذلك فعلت كندا، والمكسيك والصين لن تكون أقل دفاعًا عن مصالحها الحيوية. لذا يجب على ترامب مراجعة نفسه قبل أن يورط إدارته والعالم في متاهات لا تحمد عقباها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها