العملية العسكرية المتواصلة على محافظة شمال قطاع غزة خاصة مخيم جباليا، والتدمير المتعمّد لمراكز الإيواء والمستشفيات، والمقرات الخدماتية. واستشهاد وإصابة آلاف الناس ومحاولة إجبار نحو 400 ألف فلسطيني على النزوح تحت القصف والقتل والدمار والخراب والحصار والتجويع.
ومنذ 5 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بدأ الجيش الإسرائيلي بتحذير السكان بإرسال إنذارات للنزوح إلى محافظة الوسطى والمواصي في الجنوب وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإلقاء مناشير ورقية من الجو وعبر طائرات "كواد كابتر"، حيث رفض الآلاف الاستجابة والنزوح.
ولم ينتظر الاحتلال نزوح الناس وبدأ بالقصف المدفعي والجوي وإطلاق النيران في محيط مساكن السكان ومراكز الإيواء، ومنع دخول المساعدات الإنسانية والمياه والأدوية للمخيم، واحتجز واعتقل المئات في مراكز الإيواء، وقتل الناس ودمر المنازل فوق رؤوس قاطنيها. وارتكب المجازر في مخيم جباليا وقتل وأصاب الآلاف.
ويأتي ذلك في إطار مساعي الجيش الإسرائيلي، لإفراغ محافظة الشمال من سكانها، الذين رفضوا الاستجابة لإنذارات الإخلاء، عبر القضاء على ما تبقى من فرص الحياة، وتدمير البنى التحتية، ووقف تقديم الخدمات الإنسانية فيها.
وما زال العالم يتساءل هل تنفذ إسرائيل ما تسميه"بخطة الجنرالات" الرامية لإخلاء شمال قطاع غزة من السكان وتجويعهم حتى الموت، أو تهجيرهم إلى الشتات، كرافعة ضغط على الفصائل الفلسطينية.
واختلفت التقديرات الإسرائيلية حول الأهداف الحقيقة العملية العسكرية في الشمال، هل تصعيد الجيش الإسرائيلي وتنفيذ خطة "الحصار والتجويع" أو ما تسمى خطة "الجنرال غيورا أيلاند" لتهجير الناس من الشمال من أجل توزيع المساعدات أم من أجل الضم والاستيطان؟.
قبل أيام عدة اعترف ايلاند في مقابلة صحافية أن الجيش الإسرائيلي مارس الحصار والضغط العسكري، قبل إخلاء الناس وأضاف: إن هذه لم تكن نيته، "لقد أردت إنقاذهم". وذلك خلافاً لما جاء في خطته. وهذا ما حذرت وغيري منه في مقالات سابقة إنها خطة لارتكاب الإبادة الجماعية للتهجير القسري وإخلاء الشمال من الفلسطينيين.
سواء كان ما جرى ويجري قبل أو بعد فإن الإبادة مستمرة والخطر باستكمال خطة ايلاند في مدن الشمال وصولاً لمدينة غزة الذي نزح إليها سكان جباليا.
وقبل أسبوعين نقل المراسل العسكري لـ إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الجيش أخلى بشكل شبه كامل مخيم جباليا من السكان حيث تشير التقديرات إلى إخلاء نحو 50 ألف فلسطيني، وأنه اعتقل نحو 600 من عناصر حماس خلال عمليته في مخيم جباليا.
وفي مقال للمحلل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل قال فيه تحت ضغط من المستوى السياسي يمنع الجيش الإسرائيلي عودة سكان جباليا إلى منازلهم رغم تحقيق العملية لأهدافها العسكرية، كما اعترف الجيش الإسرائيلي بأن هذا هو تنفيذ جزئي لخطة "الجنرالات" والتي تهدف بشكل أساسي إلى ممارسة ضغط شديد على السكان في شمال قطاع غزة ودفعهم إلى الجنوب.
وأضاف: بأنه "كبار المسؤولين في الجيش والشاباك يعارضون تنفيذ الخطة الكاملة والتي تشمل أيضًا وقف المساعدات الإنسانية لشمال قطاع غزة في انتهاك للقانون الدولي"، إلا أن الجيش الإسرائيلي اعترف بأنه مطالب بتنفيذ أجزاء من الخطة التي يقولون أنها تتوافق مع قواعد القانون الدولي.
كما تهدف الإجراءات المتخذة إلى منع سكان منطقة جباليا من العودة إلى منازلهم لحين إعادة هيكلة المنطقة وفق الاعتبارات الأمنية، وعليه لن يسمح للسكان بالعودة إلى المنطقة إلا بشرط تشديد السيطرة الأمنية عليها بما في ذلك تعريف أجزاء منها كمناطق عازلة منزوعة السلاح.
كما نشرت صحيفة هارتس تقريرًا نقلاً عن كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية (الجيش والشاباك) أن حكومة بنيامين نتنياهو تتجه نحو ضم تدريجي لأجزاء كبيرة من قطاع غزة، مع إيلاء اهتمام ثانوي لصفقة تبادل الأسرى.
ووفقًا لهؤلاء المسؤولون أن احتمالية التوصل إلى اتفاق باتت شبه معدومة، خاصة منذ توقف المحادثات الدولية بهذا الشأن. بالإضافة إلى ذلك، لم تعقد الحكومة أي نقاشات مع كبار المسؤولين الأمنيين حول ملف الأسرى منذ فترة طويلة.
وحسب ما نقل عن الضباط الإسرائيليين فإن قرار إطلاق عملية عسكرية برية في شمال قطاع غزة اتخذ دون نقاش عميق، ويبدو أن الهدف منه هو الضغط على سكان شمال غزة الذين يجبرهم الجيش الإسرائيلي بالنزوح مرة أخرى من مناطق سكنهم باتجاه الجنوب مع اقتراب فصل الشتاء، ولا يستبعد هؤلاء الضباط أن تأتي هذه الخطوة تمهيدًا لتنفيذ خطة الحصار والتجويع التي اقترحها الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند.
وكانت وسائل الاعلام الإسرائيلية قد نشرت عن ضباط إسرائيليون في ما يسمى بـ"منتدى الضباط والمقاتلين في الاحتياط" في الرابع من سبتمبر/أيلول الماضي خطة لهزم الفصائل الإسرائيلية، وجاء فيها أن عمليات الجيش الإسرائيلي الحالية في قطاع غزة ليست مفيدة، واقترح خطة مؤلفة من مرحلتين، يتم خلالها تهجير السكان المتبقين في شمال قطاع غزة والإعلان عنها "منطقة عسكرية مغلقة"، وتنفيذ الخطة لاحقًا في أنحاء القطاع.
ووُضعت هذه الخطة بمبادرة رئيس شعبة العمليات في الحبس الإسرائيلي، ورئيس مجلس الأمن القومي الأسبق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، الذي يوصف في إسرائيل بأنه "مُنظّر" الحرب على غزة، وجاءت الخطة بعنوان "خطة الجنرالات"، ويؤيدها عشرات الضباط، وفقًا لما ذكره موقع "واينت" الإلكتروني.
وتعتبر الخطة أنه "طالما أن الفصائل الفلسطينية تسيطر على المساعدات الإنسانية، ليس بالإمكان هزيمتها"، وتقضي بتحويل المنطقة الواقعة شمال محور "نيتساريم"، الذي يفصل جنوب قطاع غزة عن شماله، إلى "منطقة عسكرية مغلقة"، وإرغام 300 ألف فلسطيني يتواجدون حاليًا في شمال القطاع، على النزوح خلال أسبوع واحد.
وبعد ذلك يفرض الجيش الإسرائيلي على شمال القطاع حصارًا عسكريًا كاملاً، بادعاء أن حصارًا كهذا سيجعل الخيار أمام أبناء شعبنا "إما الاستسلام أو الموت"، حسب الخطة.
ووفقًا للخطة، فإنه إذا سمحت إسرائيل بوصول المساعدات الإنسانية إلى وسط وجنوب القطاع، سيواجه سكان الشمال التجويع إذا قرروا البقاء هناك.
وبالعودة للمسؤولين الأمنيين حول نوايا نتنياهو بشأن ضم تدريجي لأجزاء كبيرة من قطاع غزة، أن "خطة آيلاند لا تتوافق مع القانون الدولي، وأنه لم يكن هناك إجماع بين كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية حول إطلاق العملية البرية في شمال القطاع، وأن هذه الخطوة قد تعرض حياة الأسرى للخطر، وأن الشخص الذي دفع نحو تنفيذ هذه العملية كان قائد المنطقة الجنوبية، يارون فينكلمان، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للحرب.
ووفقاً للتقديرات الاستخباراتية الإسرائيلية، يوجد في شمال القطاع حوالي 4000 فلسطيني من قبل الحرب، ويُعتقد أن العدد أكبر في جنوب القطاع.
وأن الحاجة باتت ملحة إلى وجود جهة دولية تتولى مسؤولية الجوانب المدنية في القطاع، إلا أن القيادة السياسية رفضت حتى الآن جميع المقترحات التي قدمها كبار المسؤولين الأمنيين في هذا الخصوص.
وحسب المسؤولين الأمنيين في إسرائيل أنه رغم الضربات القاسية التي تعرض لها الجناح العسكري، فإن حماس لا تزال السلطة الوحيدة في المجال المدني، حسب قولهم، وازداد اعتماد السكان عليهم، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها تتولى مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية على السكان، ولأن العديد من الغزيين باتوا يرغبون في العمل لدى المنظمة للحصول على لقمة عيشهم، حتى لو لم يؤمنوا بإيديولوجيتها أو يدعموها.
وحسبما نقل موقع "واينت" عن آيلاند أنه بالإمكان نقل هذه الخطة إلى رفح وأماكن أخرى في أنحاء القطاع.
وادعى رئيس المنتدى، العميد حيزي نِحاما، وهو ضابط في الاحتياط أن خطة الجنرالات هي الطريقة الصحيحة حاليًا لتحرير المخطوفين، وتعين علينا تنفيذها منذ أشهر عدة. وعلى الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل الآن تطبيق الخطة الوحيدة التي ستساعد في هزيمة حماس.
وسواء كانت عملية عسكرية عادية أو تنفيذ خطة آيلاند، فالهدف واضح وهو التهجير القسري وارتكاب مجازر، وجعل شمال القطاع منطقة غير قابلة للحياة، وهي سياسة عمليًا تتبلور لفترة طويلة المدى وسيطرة إسرائيل على شمال غزة وطرد 300 ألف فلسطيني إلى خارج هذه المنطقة.
ومع أن المحللين الإسرائيليين العسكريين يشككون في إمكانية نجاح الجيش في إتمام العملية العسكرية في جباليا وشمال القطاع خاصة وأن هناك أعدادً من الناس يرفضون النزوح ويدفعون بذلك ثمنًا لحياتهم.
وبالنظر إلى أهداف العملية العسكرية الخاصة والخطة فهي تعكس الأفكار القديمة الجديدة في ذهن نتنياهو.
واليمين المتشدد وهذه العملية تتعلق باستمرار الحرب. وتطويق وتقطيع قطاع غزة، وهدف نتنياهو احتلال متواصل لغزة وطرد سكان شمال القطاع ويريد تقسيم القطاع، بحيث يبقى جنوبه تحت حصار إسرائيلي، وتسيطر إسرائيل على شماله وتطرد الفلسطينيين المتبقين فيه لصالح إقامة مستوطنات، كما أن السيطرة على محور فيلادلفيا على طول حدود القطاع تسمح لإسرائيل بتطويق قطاع غزة من جهاته البرية الثلاث وعزله عن مصر، فيما السيطرة على محور "نيتساريم" يقسم بين شمال القطاع، الذي بقي فيه عدد قليل من السكان ومنازل وبنية تحتية مدمرة، وبين جنوب القطاع المكتظ باللاجئين من القطاع كله.
ولدى إسرائيل أهداف للسيطرة على قطاع غزة من خلال هذه العملية العسكرية على شمال القطاع بالتطويق والتقطيع، والمجاعة وهي أيضاً محاولات إسرائيلية في تشديد الضغط على الفلسطينيين الذين يرفضون الخروج من الشمال وحصارهم في منطقة الوسط، وجزء من الجنوب في خان يونس مدمر وغير قابل للحياة، ورفح ما زالت محتلة وسكانها نازحين من ستة أشهر ولا أمل في عودتهم قريباً.
والاحتلال هو الغاية التي يحارب نتنياهو من أجلها، والحكومة اليمينية المتطرفة ستبقى مكانها طالما أنه يسعى بالأقوال والأفعال إلى احتلال دائم وضم زاحف لقطاع غزة.
وحسب رئيس تحرير صحيفة هآرتس الوف بن: "أن اليمين الإسرائيلي يطمع بهذه المنطقة من أجل الاستيطان اليهودي، ومع قدراتها العقارية الهائلة من طوبوغرافيا مريحة، ومنظر على البحر وقربها من تل أبيب ومنطقتها.
وأضاف: إن "نتنياهو كرر خلال الفترة السابقة شعاره الانتخابي من العام 1996، (مفاوضات وليس تنازلات)، وهذا يعني بالعبرية أن منطقة محتلة لا تُعاد، ولا حتى بضغوط دولية".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها