تمت أمس الأحد 27 تشرين ثاني/أكتوبر الحالي أكبر عملية دهس لجنود وضباط إسرائيليين شمال تل أبيب في محطة باصات بالقرب من قاعدة غليلوت الأمنية، وتضم مباني الموساد ووحدة 8200 السبيرانية وجهاز الاستخبارات، وسقط فيها حسب المصادر الإسرائيلية نحو 50 إسرائيليًا، 5 منهم قتلوا مباشرة، ونحو 10 في حالة الخطر. وكان سائق الشاحنة رامي الناطور من سكان بلدة قلنسوة الفلسطينية اصطدم بالأتوبيس الناقل للجنود مع وقوفه في المحطة، وكأنه معد جيدًا لعمليته الفدائية البطلة، مما أوقع العدد الأكبر بين الجنود، وعلى إثر ذلك، أعلنت وزارة الصحة حالة الطوارئ، وطالبت السكان بالتبرع بالدم.
وهذه العملية الفدائية الرابعة ما بعد حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، حيث سبقتها عمليات في يافا والخضيرة وبئر السبع، ولكنها العملية الأشد إيلامًا ووجعًا للإسرائيليين من حيث الخسائر البشرية، وأعمار المصابين، الذين غالبيتهم من الشباب، وكونها استهدفت فئة نوعية من المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولاختيار المنفذ موقعًا استراتيجيًا بالقرب من قاعدة غليلوت الأمنية الكائنة في شمال تل أبيب.
وشابت ردود الفعل الإسرائيلية عملية إرباك بشأن تحديد هوية منفذ العملية، وزير ما يسمى الأمن القومي ومدير الشرطة، قالا: إن المنفذ إرهابي، في حين اعترت مواقف المؤسسات الأمنية الأخرى إرباكًا بين الاتهام للمنفذ بالإرهاب، أو اعتبار العملية حدثًا غير مقصود، أو تبني رواية ذويه، الذين قالوا: أن "ابنهم يعاني من اضطرابات نفسية"، وذلك بهدف التخفيف من تداعيات العملية في أوساط الشباب الفلسطيني العربي، والحد من تحفيزهم لتبني الوسيلة التي اتبعها الشهيد رامي.

ومما لا شك فيه، أن أسباب العملية تكمن في، أولاً تصاعد وتعمق سياسة التمييز العنصري والكراهية في أوساط المجتمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين العرب؛ ثانيًا اتساع وتعاظم الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والوطن الفلسطيني عمومًا لليوم 389، والتي ذهب ضحيتها ما يزيد على 43 ألف شهيد، وما يزيد على المئة ألف جريح إضافة لما يفوق العشرة آلاف مواطن تحت الأنقاض، وعمليات التدمير الهائلة؛ ثالثًا تصاعد وتيرة الحرب على الجبهة الشمالية، وارتكاب جرائم حرب وإبادة ضد أبناء الشعب اللبناني الشقيق؛ وغيرها من الأسباب.
ومن انعكاساتها على الشارع الإسرائيلي، أكدت العملية البطولية، أولاً فشل المؤسسة الأمنية في حماية الشارع الإسرائيلي عمومًا ومؤسساتها الأمنية خصوصًا. لا سيما وأن العملية تمت على بعد عشرات الأمتار من القاعدة الأمنية الأهم في إسرائيل، غليلوت؛ ثانيًا تعمق الأزمة الأمنية داخل المجتمع عمومًا، وبين المجتمع والائتلاف الحاكم، الذي ادعى العديد من أقطابه وبخاصة بن غفير، وزير الأمن القومي، أنهم يسيطرون على الوضع داخل إسرائيل، فجاءت العملية وما سبقها من عمليات لتؤكد فشل تقديراته؛ ثالثًا سيكون هناك ارتدادات للعملية على بقاء وديمومة حكومة نتنياهو، وبالتالي قد تسرع عقارب ساعة الانتخابات المبكرة في إسرائيل؛ رابعًا من المؤكد، أن العملية ستكون من عوامل التحفيز لتنفيذ عمليات فدائية أخرى ضد جرائم الإبادة الوحشية والسياسات العنصرية المرتكبة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وقد تحد من سياسة التطهير العرقي التي تنتهجها حكومة زعيم الليكود ضد المواطنين الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، إذا قرأت المشهد بشكل منطقي، ولكن هيهات أن يفكر الطاووس نتنياهو وأقرانه من الصهيونية الدينية الموغلون في الإبادة الجماعية.

إذاً نحن أمام عملية فدائية نوعية وهامة، وهي الأكبر والأوسع خلال ما يزيد على عام من الإبادة الجماعية، ولعلها تشكل درسًا وعبرة للقيادات الإسرائيلية المعارضة باستخدامها وسيلة ضغط إضافية على حكومة الإبادة الجماعية بالتلازم مع ملف صفقة تبادل الرهائن وغيرها من الأزمات الإسرائيلية الداخلية، والإقرار بالحقوق السياسية والقانونية للشعب الفلسطيني، والاعتراف بدولة فلسطين المستقلة والسيدة وعاصمتها القدس المحتلة، والانسحاب الكامل من أراضيها، وإزالة مستعمراتها كافة من أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة، وقبل كل شيء، وقف الإبادة الجماعية في غزة والقدس والضفة عمومًا، وإدخال المساعدات الإنسانية كافة لأبناء شعبنا في غزة من المعابر كافة وخاصة معبر رفح البري، وتأمين الحماية الدولية، ووقف التهجير القسري لأبناء شعبنا من شمال قطاع غزة إلى جنوبه.