بعض أصحاب المواقع الإعلامية الإلكترونية، من المأخوذين بشعارات وخطب "محور الممانعة" الذي لم يعد حقيقيًا تمامًا. باتوا فيما يكتبون على مواقعهم وما يبثون من كلام لهم على مواقع "التيك توك" و"اليوتيوب" كمثل المعلق الإذاعي الشهير أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب، الذي وعد قبيل الخامس من حزيران عام سبعة وستين من القرن الماضي، سمك البحر الأبيض المتوسط بوجبات دسمة من أجساد اليهود الذين سيلقيهم العرب إلى هذا البحر.

ما كانت للعرب أساسًا هذه الغاية أبدًا، ولم يأكل السمك شيئًا من ذلك بطبيعة الحال، وحدنا كنا نلوك الهزيمة بمصطلح النكسة.

مثل أحمد سعيد، بات هؤلاء يتحدثون اليوم بنفس الكلمات والوعود تقريبًا، فيما جيش الاحتلال الإسرائيلي، يهرس بيت لاهيا وجباليا هرسًا، وطائراته الحربية تدك لبنان دكًا.

غاب أحمد سعيد، ولم تغب أمثولته. هذه هي المعضلة، حيث هذه الأمثولة تعمل على مدار البث الإلكتروني، والفضائي، والورقي معًا، على إقصاء لغة العقل، ولغة التبصر، والحكمة، لصالح لغة الوهم والخديعة، التي باتت تتهم لغة العقل بأنها لغة هزيمة، بل وكلما أصابت الحمى هذه اللغة، وأفقدتها كل حجة ومنطق، اتهمت لغة العقل بأنها لغة صهينة. فيما هي في الواقع والحقيقة، لغة الباحثين عن هزيمة ممكنة لحرب إسرائيل الفاشية.

لا يمكن للنصر أن يكون عبر تحليقات البلاغة، لا بد من التفحص والتبصر، ومعرفة مصادر قوة الاحتلال، ومكامن ضعفه، لكي يكون بالإمكان هزيمته.

في الصراع لدحر الاحتلال المتخم بكل أنواع الأسلحة المدمرة، ليس بوسع الرصاصة، هزيمة الدبابة، والطائرة الحربية، ليس بوسعها هزيمة إسرائيل الأطلسية، إسرائيل "الناتو" في واقع تحالفاتها وعلاقتها الغربية، لكن المقاومة الشعبية السلمية، بالوحدة الوطنية، وسلطة القرار الواحد، قادرة على هزيمة الاحتلال، كلما تحصنت بخطابها وسلوكها الحضاري، والأخلاقي، وكلما أدركها العالم، بأنها خيار شعب لا سبيل لهزيمته، وكسر إرادته الحرة. 

المقلدون لأحمد سعيد، تجار الوهم والخديعة، المدلسون الحمقى، لا يدركون أنهم بتعميماتهم المطلقة، إنما يحرضون الاحتلال الإسرائيلي، على مزيد من التوحش في حربه الفاشية، ضد فلسطين شمالاً وجنوبًا، وعلى من يشك في ذلك، عليه أن يرى ما يفعله الاحتلال اليوم، لا ضد بيت لاهيا وجباليا فحسب، بل وحتى ضد قاطفي الزيتون في الضفة الفلسطينية المحتلة. وعليهم أن يعرفوا أننا نعرف أن تعميماتهم المطلقة هذه، إنما تسعى إلى إشعال نار الفتنة، وخلق الفوضى المدمرة في الضفة المحتلة، وليس غير هذه الفوضى ما يريد الاحتلال الإسرائيلي ليجهز على الضفة، فيدمر بذلك المشروع الوطني الفلسطيني التحرري، غير أن هذا لن يكون أبدًا لأن سياسة الحكمة والتبصر التي تواصلها الشرعية الوطنية الفلسطينية، هي ما يدير شؤوننا اليوم، ولنا دومًا لغة العقل، ولغة الواقع، برؤيتها النضالية، التي لن تنال منها لغة الوهم والخديعة.