لم يعد واضحاً في ظل تداعيات جائحة كورونا، الرهان على المساندة الإقليمية والدولية في مواجهة (الضم الاستعماري)، حيث انشغال الأوساط السياسية والشعبية والدولية، بما آلت اليه الظروف نتيجة "الجائحة" من زاوية مستقبل التوازنات الدولية والعلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ما انفكت إسرائيل؛ وخلال الجائحة "كورونا" عن بذل مساع حثيثة، وتحركات بوسائل ملموسة وغير ملموسة، للانقضاض على أهدافها العنصرية، خاصة ما يتعلق بقرارها (تكريس الاحتلال في الضفة الغربية ما يسمى الضم)، ليندرج ذلك ضمن أخطر سيناريوهات إسرائيل وهو القضاء على حلم الدولة الفلسطينية (تحويل الدولة الفلسطينية إلى معازل سكانية دون حقوق سياسية).

إسرائيل تصارع  الزمن لفرض الاحتلال من جديد" الضم" لأن الظروف الإقليمية والدولية والعربية والفلسطينية مواتية وتحديداً قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي "ترامب"، وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن موعد الضم؛ وهو بداية تموز المقبل، حيث تنوي ضم الأغوار ومساحات من الضفة. 

إن "ضم" الأرض الفلسطينية يعني مواصلة الاحتلال تحقيق أهدافه ومشروعه الاستعماري في السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتشريع ذلك دولياً والقضاء على حلم الدولة دون أن تكون القدس عاصمه فلسطين.

إن المساحات التي يسعى الاحتلال "لضمها" تشكل ٤٠٪ من الضفة بما فيها عدد من المستوطنات، وهذا تطبيق لأحد بنود "صفقه القرن" بحيث يصبح السكان الفلسطينيون الذين شملهم "الضم" مقيمين في إسرائيل دون حقوق وطنية وسياسية، وهو ما يكرس يهودية الدولة وقوميتها وينهي رؤية حل الدولتين.

تسعى إسرائيل إضافة إلى مخططات" ضم" الضفة عمومًا، إلى ضم الأغوار بهدف إلحاق الجزء الشرقي من فلسطين "الأغوار" بدولة إسرائيل عبر تواصل جغرافي مع الخان الأحمر والقدس، بهذا تقضي على حلم الدولة الفلسطينية المتواصل جغرافيًا والقابلة للحياة،  فالأغوار جزء من فلسطين التاريخية، وقعت عام 1967 تحت الاحتلال الإسرائيلي؛ وتعتبر ذات بُعد سياسي وأمني قومي غذائي ومائي استراتيجي فلسطيني،. تبلغ مساحتها الاجمالية 840 كم.

استهداف الأغوار الفلسطينية استيطانياً عبر مخططات وقوانين عنصرية أبرزها (مشروع قانون ضم الأغوار رقم (895320ف: "بتاريخ 29122016)، حيث بلغت 23 قانونًا عنصريًا، ضمن رؤية مشروع صهيوني أُسس له "مشروع ايالون لاستعمار الأغوار بتاريخ 2661976".

الأرباح التي تجنيها إسرائيل من مستعمرات الأغوار (650 مليون دولار سنويا - 2012)، حيث يستغل مستعمرو مستعمرات الأغوار 427 كم من الأراضي للزراعة والمصانع الغذائية ومناطق عسكرية مغلقة؛ أي ما نسبته 55.5% من المساحة الكلية للأغوار. و87% من مساحة الأغوار تقع في المنطقة (سي) أي ضمن السيطرة الإسرائيلية وفق اتفاق أوسلو المؤقت عام 1993.

 تعتبر إسرائيل أن ضم الأغوار الدرع الحامي لأمنها، فقد قال "رابين" عام 1993: "إن الحدود الأمنية لإسرائيل سوف تكون في منطقة الأغوار". كما تسعى إسرائيل للسيطرة على شواطئ البحر الميت من خلال مخططات للضم والسيطرة مثل (مخطط دروبلس 1978 ومخطط شارون 1982).

أمام هذه المعطيات تسير القيادة الفلسطينية في طرق وعرة، حيث المعادلات الإقليمية والدولية والصراعات في المنطقة وموازين القوى، غير أن البوصلة في كل تفاعلات وحراك وتوجهات القيادة كان نحو مسار وحيد واوحد وهو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولعل الجهد المبذول من القيادة ممثلة بالرئيس محمود عباس، لا يكفي أمام خطورة الوضع القائم إذ يتطلب التوحيد لكل الجهود وبكل ما تعنية الكلمة من معنى، ولا قاطعة مانعة، إن ما يجري أكثر خطورة وأكثر تهديداً لمستقبل القضية الفلسطينية، من هذه اللحظات. (الضم الاستعماري).

على أرض الواقع، لن يبقى في الواد إلا حجارته، والقيادة الفلسطينية تأخذ بعين الاعتبار التفاعلات والعلاقات والتحالفات الدولية الجديدة، وتراهن على الشعب بكل مكوناته إضافة لقاعدة الدول الصديقة، والتحالفات التي تقيمها إقليماً ودولياً.

رغم أن الاهتمام بقضية "الضم الاستعماري" والقضية الفلسطينية تراجع دولياً بسبب تصدر "فيروس كورونا"، الإعلام دولياً، فربما تكون السياسة الدولية كهذا الفيروس، ولكن السياسة الفلسطينية كما كانت جاهزة للتصدي لـ "كورونا" تقف بإرادة وتصميم أمام مسؤولياتها الوطنية المصيرية وفي وجه العنصرية الصهيونية المدعومة من إدارة "ترامب الأميركية"، ولعل التأكيد على توحيد وتكاتف الجهود أحد محركات هذا التصدي.

عدنان نعيم