الطفل الفلسطيني.. أعلنوا عليه الموت فأعلن عليهم ابتسامته

الشاعرة الفلسطينية نهى عودة

"إبراهيم عصام" فنّان فلسطيني من غزّة، مثل أيّ فلسطيني مُبدع، أراد إحداث ثقبٍ في جدار الحصار الثقافي الذي فرضه الكيان الصهيوني على الصورة والكلمة ومختلف أشكال الإبداع الأخرى.. ثقبٌ تتسلّل منه "الحقيقة" هاربة ومُهرّبة إلى العالم، في شكل صورة من الحياة اليوميّة في فلسطين، وتقول للإنسانيّة جمعاء: أعلن علينا الكيان الصهيوني الموتَ بآلات الدّمار والتّقتيل المُصنّعة في الدول العظمى المُبشّرة بالحرية وحقوق الإنسان.. وأعلنَت علينا البشرية الموتَ بصمتها وتبلّد ضميرها واعتناقها للأكاذيب والأراجيف التي روّجها ويُروّجها السياسيون والإعلاميون.. ولكننا نحيا برغم الموت، ونرسم البسمات على ملامحنا التي أعياها رماد احتراقاتنا.. إنّنا شعبٌ لا ينكسر، نستشهد من أجل ذرّات ترابنا أو ننتصر، ولا خيار أمامنا إلاّ أن نعلن الحياةَ على الموت القادم إلينا من كل الجهات.

لم يعط الوجع اليومي للإنسان الفلسطيني أيّ فرصةٍ ليستريح "استراحة المحارب"، فلا خيار أمامه إلاّ التغلّب على واقعه، فتجد الأم تزّف أبناها بالزغاريد وهي تقول: فداء لفلسطين. وترى المُسعف، رغم يقينه بأنه لن يتخلّص من غطرسة وقبح ووقاحة المُحتلّ الذي لا يعير أيّ اهتمام للقوانين الدولية وقبلها الإنسانية، يهرع إلى معالجة ونقل المُصاب حيث يستفزّه وجعه على أبناء بلده.. وهذا ينطبق على الشاعر والكاتب والإنسان الفلسطيني والمُصوّر الفوتوغرافي أيضا..

"إبراهيم عصام" أنموذج للفلسطيني الأصيل، مصوّر فوتوغرافي ذاق الويلات من حرب الإبادة على غزّة، وواجه العدو المُتعطّش للدم والقتل كأنما هو ذلك الدراكولا هرب من سجن الأساطير وتمثّل في الواقع مصّاصًا للدماء يتغنّى ويُفاخر بقتل الأطفال في غزة وفلسطين، غير أنّ "إبراهيم عصام" أراد أن يكسر جبروت هذا الدراكولا وشيطان العصر باقتناص اللحظات التي يضحك فيها أطفال غزّة وهم يداعبون شمس الحياة على رمال بحر غزّة.

اتّخذ "إبراهيم" الصورةَ خلاصًا وترتيبًا وتوثيقًا لما يحدث في غزّة الحزينة، وبدل أن يكون فنّانًا يسيح على جغرافية العالم بإبداعاته الفنيّة، أشهر كاميرا التصوير وأعلن المقاومة و"الفنّ الثوري" ضدّ شيطان العصر (الكيان الصهيوني)، وأضاء فوانيس الجمال على وطنه ليقول: نحن نحبّ الحياة أيضًا برغم الموت الذي يحاصرنا ويفترسنا كل ساعة ويوم.. "إبراهيم عصام" هو أنموذجٌ يثبت مدى تعلّق الفلسطيني بوطنه وأرضه وأبنائه، ويُخطّط لمستقبله رغم كل الآلام والأوجاع والدمار!

ركّز "إبراهيم" على بحر غزّة وصيّادي غزّة، وعلى الأطفال بابتساماتهم الحالمة، ليؤكّد بأنّ البسمة من بين ركام الدّمار والخراب هي فعل مقاومة.. هي رسالة إلى كل ضمير متبلّد: نحن باقون على أرضنا، نحلم بغدٍ تنتصر فيه الحياة على أعدائها، وتصيب اللعنة شيطان العصر.

من هو "إبراهيم عصام"؟ لقد اخترنا أن نترك له المجال ليُعبّر عنه نفسه من خلال ترجمتنا لسيرته الذاتية التي كتبها باللغة الإنجليزية، فهو يقول: إبراهيم هو مخرج أفلام ومصور موهوب وُلد في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين في غزة. شغوف بصناعة الأفلام والرّسوم المتحركة، ويقوم بتدريب الأطفال على إنتاج أفلامهم القصيرة. بعد إكمال دراسته الثانوية في غزّة، تابع دراسته في معهد العلاقات الدولية في أوكرانيا، ولكن بسبب التحدّيات الاقتصادية، لم يتمكّن من إكمالها. عاد إلى غزة، حيث أعاد إحياء شغفه بالتصوير الفوتوغرافي وصناعة الأفلام.

طوّر إبراهيم نهجًا فريدًا في صناعة الأفلام القصيرة، والذي وثّقه في كتابه "نافذة على الفيلم القصير". وقد قاد العديد من ورش العمل للخرّيجين الإعلاميين وصانعي الأفلام الطموحين في غزّة وتونس، حيث شارك خبراته في إنتاج الأفلام القصيرة وكتابة السيناريو.

رغم الصعوبات الناتجة عن الحرب، التي أسفرَت عن فقدان منزله والأستوديو الخاص به، يظل إبراهيم صامدًا، ويعيش في ظروف صعبة في جنوب غزة. يواصل الإبداع، ملتقطًا جمال غزة: (شعبها وأطفالها ومناظرها الساحلية) المليئة بالأمل.

إبراهيم عصام هو مثال حي للصمود والإبداع في وجه الصعوبات. ورغم التحديات المستمرة التي يواجهها في غزّة بسبب الحصار والحروب المتكررة، إلا أنه يواصل عمله بشغف والتزام، مُستخدمًا فنه لنقل القصص الإنسانية من قلب غزّة إلى العالم. من خلال ورشاته. لا يُعلِّم إبراهيم فقط المهارات التقنية لصناعة الأفلام والتصوير، بل يُلهم أيضًا الأجيال الجديدة للتعبير عن أنفسها وعن واقعها من خلال الفن.

كتابه "نافذة على الفيلم القصير" يُعتبر مرجعًا مهمًّا لكل من يرغب في دخول مجال الأفلام القصيرة، حيث يشارك إبراهيم تجربته الشخصية ويقدّم نصائح عملية حول كيفية تحويل الأفكار إلى أفلام مؤثرة وقصص بصرية. ورغم فقدانه لأدواته ومنزله خلال الحرب، لا يزال إبراهيم يعتمد على الموارد البسيطة والمتاحة لإنتاج أعماله الفنية، ليؤكد أن الفن يمكن أن ينبع من قلب الظروف الصعبة.

إلى جانب عمله في التصوير وصناعة الأفلام، يحرص إبراهيم على تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية للحياة في غزة، مركّزًا على الأمل الذي ينبض في نفوس الأطفال والشباب، وعلى الجمال الطبيعي الذي يحيط بالمدينة الساحلية. إن شغفه العميق بالفن والتزامه بنقل الواقع الفلسطيني إلى العالم، جعل من إبراهيم شخصية ملهمة في مجال الفن والإعلام في غزة.