أعلن أول أمس الاثنين 26 آب/أغسطس الحالي ايتمار بن غفير، وزير ما يسمى "الأمن القومي" أثناء اقتحام المسجد الأقصى مع قطعان المستعمرين في تصريح صحافي، وردًا على سؤال حول إمكانية بناء كنيس في المسجد الأقصى، أجاب "نعم بالتأكيد". وقال: "لو كان بإمكاني فعل كل ما أريد، فسوف أثبت العلم الإسرائيلي في الموقع". في إشارة إلى قبلة المسلمين الأولى، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين. وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الوزير الفاشي، عن إقامة كنيس داحل باحات المسجد الأقصى، بعد أن دعا مرات عديدة في السنوات الماضية إلى السماح لليهود الصهاينة بالصلاة في المسجد، في انتهاك فاضح وخطير لسياسة الوضع المعتمد في الحوض المقدس عمومًا والحرم القدسي الشريف، ونسف مرتكزات الاستاتيكو القائم بشأنه.  
وكانت قناة "كان" العبرية ذكرت أول أمس الاثنين: الحكومة ستمول "جولات سياحية" في المسجد الأقصى لعشرات الآلاف من المستعمرين، ومئات الآلاف من السياح الذين يزورون الحرم الشريف سنويًا، والاستماع لمعلومات عن "التراث اليهودي" للحرم بأجندة تاريخية ملفقة ومزورة، لا تمت للحقيقة بصلة تعميقًا للرواية الصهيونية القائمة على الأساطير والخزعبلات المتنافية مع حقائق التاريخ خلال الأسابيع المقبلة. مع تخصيص ميزانية قدرها مليونًا شيكل من وزارة التراث لهذه الغاية، بدعم من بن غفير ونائب قائد الشرطة الذي عينه الوزير المذكور. 

وهذا الإعلان الفاجر جاء في أعقاب التقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي الشريف، وإقامة الطقوس التلمودية المؤججة للصراع بين الشعب العربي الفلسطيني وعموم الشعوب العربية والإسلامية من جهة والدولة الإسرائيلية الفاشية من جهة أخرى، وهو ما يعكس المضي قدمًا في مخطط القوى الصهيونية المختلفة وخاصة الدينية المتطرفة، التي تعمل بخطى حثيثة لتدمير المسجد الأقصى، وبناء الهيكل الثالث على أنقاضه، وكانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مع الأحزاب والقوى الصهيونية المتطرفة مهدت الطريق لتعميق تلك الخطوات متجاوزة الاستاتيكو التاريخي. 
وكانت أجهزة الأمن وقيادة الجيش الإسرائيلية والعديد من الحاخامات اليهودية حذروا من خطورة هذه الانتهاكات للمسجد الأقصى، كما نبهت لأخطار المجموعات والحركات والمنظمات اليهودية الصهيونية المتطرفة المنتشرة في القدس العاصمة الفلسطينية الأبدية وعموم الضفة المتمثلة في الاقتحامات المتعاقبة بشكل شبه يومي للمسجد الأقصى والتغول المنتشر على القرى والبلدات والمدن والمخيمات الفلسطينية، كونها تفتح الأفق لإشعال فتيل الانتفاضة الفلسطينية الثالثة الكبرى. لا سيما وإن حالة السخط والغضب الشعبي الفلسطيني بلغت درجات مرتفعة من الاحتقان، ووصل المخاض الكفاحي في أوساط الشعب الفلسطيني من لحظة الانفجار في ظل جملة متعاظمة من جرائم الإبادة الجماعية والانتهاكات الخطيرة التي تمس بأبسط حقوق الإنسان الفلسطيني في مدن وقرى ومخيمات الضفة الفلسطينية، والتي تتمثل بتوسيع عمليات القتل والاغتيال لأبناء الشعب، والاجتياحات المتكررة لكافة المناطق، وتقطيع أوصال التواصل بينها، وإلقاء عشرات الآلاف من العمال على قارعة طريق البطالة، والقرصنة على أموال الشعب، والتواتر المستعر لعمليات التهويد والاستيطان الاستعماري بأشكاله وعناوينه المختلفة، ومضاعفة عمليات الاعتقال لألاف المواطنين الأبرياء، وتعاظم أساليب واشكال التعذيب الوحشي لأسرى الحرية الفلسطينيين وغيرها من الجرائم الهمجية. 

وتأتي في السياق خطوة بن غفير الخطيرة لتزيد من إشعال شرارة الانتفاضة الشعبية، وتصب الزيت على عوامل السخط والغضب الفلسطيني، خاصة وأن للمسجد الأقصى والحوض المقدس عموما له مكانة خاصة دينيًا وسياسيًا وقانونياً في أوساط الشعب الفلسطيني، وهو ما يستدعي من مختلف المكونات الفلسطينية وعلى رأسها قيادة منظمة التحرير وحكومتها الشرعية بتعظيم تحركها السياسي والديبلوماسي والقانوني في ملاحقة أركان الحكومة الإسرائيلية، والمنظمات الصهيونية الإرهابية في المحافل العربية والإسلامية والدولية لصد تلك الجرائم المنفلتة من عقال القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي لحماية الشعب وأماكنه المقدسة والكيانية الفلسطينية، وتحميل المجتمع الدولي كافة والولايات المتحدة الأميركية خاصة المسؤولية الأولى عما ستؤول اليه الأمور، والكف عن إصدار بيانات الشجب والاستنكار والادانة، والشروع بفرض العقوبات السياسية والأمنية والاقتصادية على دولة إسرائيل النازية، التي مازالت حتى اللحظة ولليوم 327 من الإبادة الجماعية في قطاع غزة، بالإضافة لما تقوم به ضد أبناء الشعب في عموم الضفة الغربية.