بعد تجربة الانشقاق المرة والدموية في حركة "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية في الفترة من العام 1983 - 1987، أي بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، والخروج من بيروت، تم التأكيد على حقيقة ومبادئ أساسية لا يمكن تجاوزها وإدارة الظهر لها، وهي أن الوحدة الوطنية لن تكون حقيقية إذا لم ينضم الجميع إلى منظمة التحرير، حيث اتضح للجميع في حينه أن في خيمة المنظمة متسعًا للجميع، وأن الوجود تحت هذه الخيمة هو أنفع بكثير من التفرد خارجها.

المبدأ الثاني أن الوحدة بالضرورة أن تقام وتتعزز على قاعدة الاستقلال، وصيانة استقلالية المنظمة وقرارها، فلا يمكن الحديث عن وحدة قرارها ليس بيد الفلسطينيين. أما المبدأ الثالث وهو وحدانية التمثيل التي تتمتع بها منظمة التحرير الفلسطينية في الوطن وفي الشتات، ويأتي المبدأ الأخير ضمان الديمقراطية والتعددية الفكرية مع احترام الاستقلالية التنظيمية.

واليوم علينا أن نسأل أنفسنا وبعد كل ما قادنا إليه الانقسام، الذي بدأ بانقلاب حماس سنة 2007، وسيطرتها على قطاع غزة بالقوة وحكمته منفردة إلى ماذا أوصلنا تمنع حماس ورفضها الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليس اليوم ولكن منذ تأسيس حماس عام 1988، هل حقق ذلك للقضية الفلسطينية أي مكسب حقيقي أم نحن الآن أمام مخاطر تصفية القضية الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى؟

وأخيرًا بعد كل ما جرى لقطاع غزة من دمار وفقدان، ألم يحن الوقت لنراجع تجربة السنوات منذ العام 2007، وحتى من العام 1988، لندرك أن ما اكتشفته الفصائل الفلسطينية في الثمانينيات لا يزال يصلح اليوم؟

إن عدم الانضمام للمنظمة بحجة أنها بحاجة إلى إصلاح وإعادة بناء، وهي الحجة التي استخدمتها حماس لعقود طويلة منذ العام 1988، هي حجة باطلة وسخيفة، لأن حتى ولو اتفقنا أن المنظمة بحاجة إلى إصلاح، فإن الانضمام إليها يمكن أن يقود إلى الاتفاق على إصلاحها وليس العكس. ولم تكتف حماس بعدم الانضمام بل هي طرحت نفسها بديلاً للمنظمة، وحاولت مع جهات إقليمية إيجاد بديل للمنظمة، إلى أين قادتنا هذه السياسة؟ الجواب بسيط إلى كل هذا الدمار والضعف، لم تسهم هذه السياسات في تقوية الساحة الفلسطينية بل على العكس، فهي ساهمت بإضعاف المنظمة وتم التشكيك بقدرتها على تمثيل الشعب الفلسطيني، كما سمح لكل الأطراف الإقليمية والدولية التدخل بالشأن الداخلي الفلسطيني ومحاولة السيطرة على القرار الوطني المستقل. وأكثر من ذلك ها هي اليوم غزة مدمرة ودمرت معها مقدرات الشعب الفلسطيني، ألا يستحق كل ذلك ان نعيد النظر بسياساتنا؟

لا بد من العودة إلى المبادئ الأساسية لإقامة وحدة وطنية جدية، تواجه المخاطر والتهديدات والتحديات، ولا بديل عن هذه المبادئ، ومع التطورات الجديدة، يمكن إضافة اعتبار وحدة أقاليم الدولة الفلسطينية خطًا أحمر يمنع العبث به مهما كانت الاختلافات والخلافات. ومبدأ آخر هو الحفاظ على الشرعية الوطنية مهما اختلفنا معها، وأن أي تغير لا يتم بالقوة وإنما بأساليب ديموقراطية وعبر الحوار.

إن الخروج من المأزق الراهن، والاتفاق على اليوم التالي في غزة يتطلب احترام هذه المبادئ، والتي في إطارها يجد كل فصيل وكل وجهة نظر ورأي دوره ومكانه في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. وربما على الجميع إدراك أن المراهنة على التفرد وإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية لن يجلب إلى الشعب الفلسطيني سوى الخراب والدمار وهدر التضحيات والمكتسبات الوطنية.

اليوم التالي في غزة لا يحتاج أي مماطلة أو تردد، بل إن إنقاذ القضية الفلسطينية يتطلب مثل هذه الخطوات والمبادئ.
وحدانية التمثيل للمنظمة، واستقلالية قرارها، والانضمام إليها في إطار الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسة، واعتبار وحدة الإقليم الجغرافي الفلسطيني خطًا أحمر، وهناك ما يجب الاتفاق بشأنه، هو كيف نرى بشكل مشترك الحل لقضيتنا الوطنية، وكيف يمكن أن نصل إلى أهدافنا المنصوص عليها في مشروعنا الوطني؟ فمنذ سنين طويلة ونحن ندرك أن من لا ينضم إلى منظمة التحرير، أو أنه يحاول الانشقاق عنها، ويكون له مخطط لخلق بديل لها لأسباب ايديولوجية او سياسية غير مبررة فعليًا، كل هذه المحاولات كان تأثيرها سلبيًا جدًا على القضية الفلسطينية، وغالبًا ما كان يصاحبها سفك دماء فلسطينية، وتقدم فرصة ثمينة لأي طرف يرغب باستخدام القضية الفلسطينية كورقة في مساعيه لتنمية مصالح خاصة بها.

هناك ضرورة وطنية أن نستخلص العبر من كل ما جرى ليس بعد السابع من أكتوبر فقط، بالرغم أنها محطة تستحق التوقف عندها مليًا في أخذ الدروس والعبر، وإنما استخلاص العبر من كل تجربة الحركة الوطنية الفلسطينية قبل وبعد نكبة فلسطين، في محاولة لنفض كل السياسات غير الواقعية، والتخلص من المزايدات والتفرد في القرارات وإرساء آليات ديمقراطية حقيقية في المؤسسة الوطنية، وخاصة في مسألة تداول القيادة وفي كيفية اتخاذ القرار. وربما هناك حاجة ملحة لإعادة تعريف القضية الفلسطينية، وعدم إدخالها في تشابكات غير وطنية، واختيار التحالفات التي تخدم قضيتنا وشعبنا أولاً وليس خدمة الآخرين، لا يمكن القبول بأن يكون للشعب الفلسطيني مركزان للقرار. لقد دمر هذا الواقع قضيتنا الوطنية، وحماس هي المسؤولة، فلها تاريخ منذ الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى، حيث رفضت الإنضمام للقيادة الوطنية الموحدة، وكانت تقرر فعالياتها منفردة، هذه السياسة وليس غيرها تقف وراء النتيجة التي وصلنا إليها.