لا يبدو أن حركة "حماس" في وارد التعاطي مع الرشد الوطني، ولا بأي حال من الأحوال. وأذناها لا تسمعان حتى الآن دعوات هذا الرشد، أن تطرق جدران ذلك الخزان، خزان محور الخديعة، قبل أن يأتي عليها هواؤه الفاسد، وللمفارقة البليغة أن الخزان في المجاز الواقعي، ليس غير النفق الذي لا يتردد فيه غير صدى صوت أصحابه، بخطبه الشعبوية، وشعاراته المخاتلة، ومن فوقه، على أرض القطاع المكلوم، تتحرك دبابات إسرائيل بصوت جنازيرها الاحتلالية الصريحة، في كل اتجاه تريد.

وفي النفق تحت الأرض السنوار، وفوق سطح الأرض نتنياهو، والاثنان على رأي الدكتور إبراهيم أبراش، كما كتب في تعليق له، يجمع بينهما أمر واحد، البقاء في السلطة، والمشهد السياسي، بعد تنسيق سبق الحرب، وامتد لسنوات عدة، أتاح تواصل التمويل لحماس، ولغاية إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية، وتكريس الانقسام، وإفشال حل الدولتين.

لا تتوغل حركة "حماس" في نكرانها للواقع فقط، بل وتصر كذلك على ألا تسمع صوت النصيحة، ودعوات الرشد الوطني إليها أن تثوب إليه، لا بل إنها تذهب إلى النقيض من ذلك تمامًا، وهي  تعود إلى أكاذيبها، وافتراءاتها المأفونة ضد السلطة الوطنية، فتبث فضائية طوفانها الذي يراه الناس اليوم مترنحًا بين ركام قطاع غزة، تبث تقريرًا مصورًا  ضد قرار الرئيس أبو مازن التوجه إلى غزة، وبتطاول منحط، كأول موقف على ما يبدو لحماس ضد هذا القرار الساعي لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية، وكأنها تريد التماهي مسبقًا مع الموقف الإسرائيلي ضد قرار الرئيس أبو مازن،  فلعل هذا يمنحها فرصة تفاوض أفضل، لعقد الصفقة التي تريدها حامية لرؤوس قادتها.

لم تبق فضائية الطوفان لحال أصحابها مخرجًا آمنًا مما هم فيه، بتقريرها هذا عديم التقوى، وعديم المهنية، والمصداقية، والأخلاقيات الدينية، والوطنية، وإنه والله لعجب العجاب إصرار "حماس" هذا، على التوغل، لا في نكران الواقع فقط، وإنما كذلك في مناهضة مسعى الشرعية الوطنية الفلسطينية، لتحقيق الوحدة الوطنية المطلوبة، وبسلوك، ومواقف، وإعلام يفبرك تقريرا من هذا النوع، أقل ما يمكن أن يقال فيه، وعنه، إنه محض هذيان محموم.

للنفق في الواقع هذا الهذيان الذي يدل بوضوح شديد على حقيقة الحال الجديدة، التي باتت عليها "حماس" برعاية محور الخديعة الإيراني، حين هي لا تنصت لخطاب الرشد الوطني، وتواصل خطاب الدجل والكذب والافتراء، في فضائياتها، ووسائل إعلامها، وإعلام رعاتها الذين منهم جماعة "العربي الجديد" هذا الذي سيكون بعد قليل، كمثل "غراب البين الذي ضيع المشيتين" فلا هو سيبقى بتقليده على أصله، ولا تملك شخصية من حاول تقليده، أو لعله سيكون حاله حال تلك المرأة التي خانت زوجها، لتتزوج عشيقها، وحين تطلقت أنكرها العشيق، فخسرت زوجها، وما حظيت بعشيقها، اختصر العراقيون هذه الحكاية بمثل يقول "لا حظت برجيلها، ولا خذت سيد علي".

إذا ما واصلت "حماس" طريق الخزان، والنكران، لن يكون حالها في المحصلة بأفضل من حال "العربي الجديد"، اللهم إنا بلغنا فاشهد.