ألقى الرئيس محمود عباس خطابًا هامًا ونوعيًا، حمل في طياته موقفًا شجاعًا وحكيمًا أمام قبة البرلمان التركي أول أمس الخميس 15 آب/أغسطس الحالي بحضور الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس وأعضاء مجلس النواب جميعًا وأعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي في الجمهورية التركية.

وجاءت زيارة الرئيس عباس، وإلقاء خطابه الهام تلبية لدعوة رئيس البرلمان التركي، نعمان كورتولموش، التي وجهها له في أعقاب المسرحية الهزلية، والهمروجة المفتعلة لكلمة نتنياهو أمام قبة الكابيتول وبمشاركة أعضاء المجلسين: الشيوخ والكونغرس في الرابع من يوليو الماضي، وتكمن أهمية الدعوة لإلقاء الخطاب في استثنائية الجلسة، وحضور أعضاء البرلمان لها، رغم أنهم في إجازة البرلمان الصيفية، ومشاركتهم جميعًا فيها، والترحيب والتصفيق الحار والصادق من النواب بمواقف رئيس الشعب الفلسطيني الشجاعة.

وهذا الموقف الإيجابي لرئيس البرلمان كورتولموش، جاء انسجامًا مع مواقف الرئيس أردوغان والشعب التركي وقواه ونخبه السياسية عمومًا، الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، والمؤيدة للعدالة الإنسانية والسياسية والقانونية، والرافضة للفاشية الاستعمارية الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية ومن يدور في فلكها. وهذا ما ثمنه الزعيم الفلسطيني في سياق خطابه الهام، حيث أكد على الدعم المباشر وغير المباشر للنظام السياسي التركي للشعب الفلسطيني الواقع تحت هول وفظاعة ووحشية الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية، رغم مرور 315 يومًا نتاج الفيتو الأميركي، واستباحة مجلس الأمن الدولي، وحماية إسرائيل من المحاسبة.

ومن أهم وأبرز وأشجع المواقف التي أعلنها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في خطابه، والتي شكلت حجر الرحى فيه، هو إعلانه التوجه إلى قطاع غزة مع أركان القيادة الفلسطينية والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بعد أن تؤمن الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن الدولي وصول الوفد الفلسطيني للقطاع، وتأمين سلامتهم.

وهذا الموقف النبيل، الذي أكده الرئيس عباس في لحظة سياسية وكفاحية مهمة من نضال الشعب الفلسطيني، عكس إصراره على تحقيق العديد من الأهداف، وإرسال رسائل عديدة للعالم أجمع، منها أولاً التأكيد أن أرواح الرئيس أبو مازن وأركان القيادة الفلسطينية ليست أغلى من أرواح الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، الذين بلغ عدد الشهداء منهم أكثر من أربعين ألفًا، وعدد الجرحى الذي فاق الإثنين وتسعين ألفًا، غير المفقودين تحت الأنقاض والذي يفوق عددهم العشرة آلاف؛ ثانيًا لتكريس التلاحم بين القيادة والشعب التي لم تنفصم عراها يومًا، لا سيما أن الجميع يقف في ذات الخندق المتقدم لمواجهة الفاشية الإسرائيلية المنفلتة من عقال القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية؛ ثالثًا الإصرار على المضي قدمًا في خيار الوحدة الوطنية، وكسر حالة الجمود والمراوحة طيلة السنوات الماضية، وتجاوز لغة البيانات السياسية الصادرة عن لقاءات صنعاء والقاهرة والدوحة والشاطئ والجزائر وموسكو وبكين، ومد اليد الرئاسية والوطنية عمومًا لحركتي حماس والجهاد الإسلامي لتعميد قواعد الشراكة السياسية مع الكل الفلسطيني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب؛ رابعًا التأكيد على أهمية ومركزية تجسيد الوحدة الوطنية في تعزيز وتعميق عوامل الصمود في مسيرة الكفاح الوطني التحرري، باعتبارها الرافعة الأساسية لمواجهة التحديات الصهيو أميركية، ورفض عوامل التفتيت والتمزيق والفتن الداخلية؛ خامسًا حماية المصالح الوطنية العليا، والتقدم بثبات نحو أهداف الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير؛ سادسًا رفض وجود أية قوى محلية مثل روابط القرى، أو غيرها في قطاع غزة؛ سابعًا تعميق ما تضمنه خطابه، بأن القطاع جزء أصيل لا يتجزأ من الوطن الفلسطيني، ولا يمكن السماح تحت أي اعتبار لفصله عن محافظات الشمال وفي مقدمتها القدس الشرقية، العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية؛ ثامنًا الاستعداد من خلال الحكومة الفلسطينية الواحدة، الممثلة للكل الفلسطيني وتحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد على إعادة إعمار ما دمرته الإبادة الجماعية الإسرائيلية من خلال تضافر الجهود الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية، وكنس كل ملمح للاستعمار الفاشي الصهيوني عن أرض الوطن والدولة الفلسطينية ومحافظاتها ومدنها وقراها ومخيماتها.

خطاب الرئيس عباس حمل الكثير من الرسائل للأشقاء العرب والدول الإسلامية والأصدقاء الأمميين عمومًا في أرجاء المعمورة، ولهذا وجب اعتباره وثيقة هامة من وثائق منظمة التحرير، وهو ما يستدعي عقد المجلس المركزي للمنظمة فورًا وفي أقرب الآجال لتدارس الواقع واشتقاق الرؤية البرنامجية السياسية والتنظيمية والكفاحية التي تتواءم مع طبيعة المرحلة الراهنة من الصراع.