تحقيق/ هبـه الغـول

من منا لم يتنقَّل بين طبقات مستشفى حيفا القابع في مخيم برج البراجنة. وإذا كنتَ قد قصدتَ إحدى عياداته في الطابق الأرضي، فلا بدَّ أنك تعرفُ "سميرة" الممرضة التي تُنظِّم دخول المرضى للمعاينة عند الأطباء، "والله يكون بعون سميرة"  خاصةً يومَي الاثنين والأربعاء، إذ يتواجد أكثر من طبيب في الوقت ذاته، فتراها تخرج مسرعةً من إحدى العيادات باتجاه العيادة المجاورة لتدخل مرضى للطبيب الآخر، ولربما تجد نفسك سهواً عند الطبيب النسائي في حين أنك كنت تقصد طبيب العظام.

 

ممرضتان اثنتان فقط تنظمان دخول المرضى للعيادات، ولكن من كان سيتقدم لوظيفة لا تكفل له حياة كريمة، فوحده غلاء المعيشة وعسر الحال، ناهيك عن جور القانون اللبناني الذي يمنع الفلسطيني من مزاولة 73 مهنة جعل العمل  في المستشفى براتب دون الحد الأدنى من الأجور أفضل من لا شيء.

في نفس الطابق تجد المختبر الذي يُجري التحاليل الطبية العادية البسيطة فقط، إلا أنه زُوِّد مؤخراً بأجهزة حديثة، سواء أكان عن طريق التبرعات أم من خلال التطوير الذاتي للمستشفى، ساهمت في توفير الوقت والجهد البشري، وتلافي بعض الأخطاء التشخيصية. وبالرغم من أن المستشفى حافظ على رمزية تكاليف التحاليل، حيثُ أن فبعضها لا تتعدى تكلفته 5000 ل.ل، إلا أنك تجد من يتذمَّر عند الدفع، فيقف المستشفى حائراً أمام هؤلاء. اذ ان المستشفى يُقصد نظراً لأسعاره المحدودة من قِبِل الفلسطينيين الموجودين داخل المخيم وخارجه، وحتى من قِبَل اللبنانيين أنفسهم الذين يفضلونه على المستشفيات الخاصة التي لا يستطيعون تحمل تكاليفها الاستشفائية الباهظة.

 

"آراء مختلفة"

بالمصادفة التقينا بأحد المواطنين اللبنانيين الذي أشاد بما تقدِّمه المستشفى خصوصاً في ما يتعلَّق بإجراء التحاليل وقلة تكلفتها مقارنة بالمشافي اللبنانية، وهو ما توافق عليه الفلسطينية أم محمد التي تسكن مخيم برج البراجنة، حيثُ تقول: "هاي المستشفى أم الفقراء، برا المخيم بندفع ميات الدولارات لنتعالج، في حيفا بقدموا أفضل الخدمات بأرخص أسعار".

وفي المقابل شكا بعض المواطنين الزائرين للمستشفى من إهمال في تقديم الخدمات الطبية لهم من قِبَل حيفا، ووفق تعبيرهم فإن الأطباء لا يقومون بتقديم الخدمات بالشكل المطلوب، وهو ما يضطرهم لزيارة عيادات طبية خارج المخيم تكلفهم الكثير من المال.

 

"القسم الباطني وقسم التوليد"

حينما تتجه صعوداً نحو الطابق الثاني فإنك ستجد قسم التوليد وقسم الباطني. ولقسم التوليد حكاية أخرى، فهو أشبه بخلية نحل فيه أطباء أكفاء جديرون بالاحترام والتقدير، بالإضافة إلى كادر مؤهَّل ومدرَّب من القابلات اللواتي يكمُنُ دورهن الايجابي في تقديم مجموعة من الخدمات للنساء أثناء الحمل، وتوفير المعلومات الصحية لهن، والرعاية المبكرة لكل من الأم والطفل.

ويسعى القيمون على المستشفى جاهدين، واعتماداً على إنتاجه الذاتي إلى تحسين أقسام المستشفى وفق خطة مدروسة بدأت بتجديد القسم من طلاء للجدران وتزويد لغرف المرضى بمكيفات، ويبقى الأمل أن تتضمَّن خطة التحسين إستحداث غرفة خاصة لأطباء هذا القسم ينعمون فيها ببعض الخصوصية لإفراغ إرهاقهم اليومي ليتمكَّنوا من متابعة عملهم بطاقة ايجابية.

في ذات الطابق يوجد القسم الباطني والذي يحتوي على 10 أسِرَّة، فيما يتضمَّن قسم الأطفال 5 أسِرَّة، ويومياً تجد الأطباء يجولون بين المرضى لمتابعة معالجتهم والاطمئنان عليهم ويتناوب طاقم التمريض أوقات الدوام للعناية بالمرضى.

ورغم تواضع الإمكانيات إلا أن العديد من العمليات الجراحية المهمة تُجرى في القسم بحسب طبيب الجراحة العامة الدكتور محمد ديب.

 

معيقات متعدِّدة

حول الإمكانيات المتوفرة في المستشفى وأبرز المعيقات التي تواجهها قال المدير العام لمستشفى حيفا الجراحي الدكتور عوني سعد: "مستشفى حيفا يقوم بدعم ذاته بذاته وهو في حالة تطوير دائم على صعيدَي الخدمات الطبية والخدمات الفندقية، كذلك فإدارة المستشفى تسعى دائماً لتأمين الأجهزة المهمة والأساسية للعمل، وتجديد غرف المرضى وصيانتها وتغيير كل الأسرة، إضافةً لتحديث العيادات، وتجهيز وتحديث غرف العمليات. كما تم رفع جاهزية الإسعاف والاستعداد للطوارئ حيث تم تجهيز سيارتي إسعاف كغرفة عناية".

وأضاف "نعمل جاهدين على مواكبة التطورات العلمية والتقنية المتصلة بالبرامج والخدمات الصحية منها، عبر إقامة دورات مستمرة للأطباء وطواقم التمريض والمختبر لإبقاء طاقم العمل على إطلاع دائم على كل جديد، ولدينا عقد مع مستشفى اوتيل ديو لنقل وتعقيم النفايات الطبية وذلك طبعاً لقاء بدل مالي يحسب على الوزن. وتنفيذاً لبنود السلامة نجري فحصاً دورياً لمسجل الأشعة الذي يجب أن يحمله كل عامل في قسم الأشعة، للتأكُّد من أنه يتعرَّض للأشعة وفقاً للقوانين الدولية ولا يتجاوز الحد المسموح له من الإشعاع. كما نعمل على تلبية الاحتياجات المتزايدة من البرامج والخدمات النفسية والاجتماعية والتأهيلية والآن أصبح لدينا طبيب صحة نفسية يتواجد ثلاثة أيام في الأسبوع ضمن قسم العيادات الخارجية. من جهة أخرى، فقد تم البدء في إعطاء العلاج الكيميائي، وذلك بإشراف طاقم متخصص. وفي إطار عملية التطوير والتي تقوم بها إدارة المستشفى، تم تجهيز قسم للتعقيم المركزي، بعد أن ساهم شباب المصلحة العامة بالتعاون مع المتبرعين بتقديم جهاز تعقيم. حيث تم تسليم قسم العمليات جهاز مراقبة القلب Cardiac Monitor، وقُدِّم جهاز Tropinin Level لقسم المختبر والخاص بالكشف عن الجلطات القلبية للمرضى، بالإضافة لتأمين جهاز فصل الدم، وبنك الدم، وجهاز البلازما الذي يهيّئ البلازما خلال دقائق قليلة للاستعمال بعد أن كانت تعدل درجة حرارة البلازما عن طريق لفها بحرام".

وأردف الدكتور سعد: "المشكلة الحقيقية تكمن بأنه في مجال الطب يتم اكتشاف شيء جديد يومياً، ولكننا مازلنا إلى يومنا هذا نعتمد الأسلوب الجراحي، على سبيل المثال باتت اليوم أجهزة اللايزر والمنظار الطبي متوفرةً لتسهيل العمليات الجراحية الا انها تفوق قدراتنا  المالية، ولكن هذا لن يمنعنا من سعينا لاقتناء مثل هذه الأجهزة في المستقبل".

 

"خوف من التعديات"

أحد أبرز المشاكل التي تعاني منها المستشفى هو التدخلات والتعديات عليها، إذ يشكو الدكتور سعد من عدم احترام الكادر الطبي في المستشفى من قِبَل سكان المخيم، فجميع الموظفين من أطباء وممرضين يمارسون عملهم وهم خائفون في ظل انعدام احترام للمقامات ولا للحرمات على حد تعبيره، ما يؤدي لإحباط الطبيب أو الممرض وتنعكس سلباً على أدائه، أضفي إلى ذلك تكرار عدة حوادث أدى إلى عزوف الكثير من الأطباء اللبنانيين من ذوي الاختصاصات المفقودة بين الأطباء الفلسطينيين عن التواجد في المستشفى".

ويضيف الدكتور سعد: "معاناتنا اليومية تكمن في سرقة خطوط الكهرباء عبر الاسطح وذلك من خلال "تزليط" بعض أسلاك المكيفات والمصعد والأجهزة الأخرى بحيث لا يوجد قسم أو جهاز يحتاج إلى كهرباء متواصلة إلا ويطاله التعدي دون الاخذ بعين الاعتبار الاضرار التي تلحق بالاجهزة"، لافتاً إلى أنه وجد خط قطره 8 ملم يضيء حارة بأكملها.

بدوره يقول أحد أطباء قسم العمليات: "كثيراً ما يتعرض مرضانا للخطر وهم تحت العمليات وذلك بسبب التعدي على كهرباء قسم العمليات، ما يُضعِف أداء الأجهزة العاملة ويسبب تعطلها نتيجة الانقطاع المستمر".

ومما يزيد حدة المشكلة أنه عندما يتم قطع التعديات يتم وصلها من جديد ولا قدرة لأحد على محاسبة أحد.

أمَّا الجديد هذه الأيام فهو سرقة خط مياه الشرب الذي يمد قسم العمليات بحاجته من المياه اللازمة لأداء واجبه، دون معرفة هوية المعتدي!

 

"قلة الدعم الخارجي"

تعاني مستشفى حيفا من قلة الدعم الخارجي لها، فهي تقدم الخدمات الطبية للأهالي بتكلفة بسيطة وبالرغم من ذلك فإن بعض الأهالي لا يقبلون دفع ثمن العلاج. لكن تبقى النسبة الأكبر أي أكثر من 90% من الأهالي يتجاوبون مع المستشفى ويدعمونها مع العلم أن المستشفى تقوم بعمل أكبر من طاقتها.

ولأن الأونروا لا تغطي بعض حالات المرضى، تقوم المستشفى بتغطيتها ودعمها مما يكبِّدها مزيداً من التكاليف. هذا وقد زاد الوضع صعوبة توافد اللاجئين الفلسطينيين السوريين والسوريين بأعداد كبيرة، خاصةً أن المريض القادم من سوريا الذي لا يحمل بطاقة دخول، لا يُغطى من قبل الأونروا مما دفع المستشفى إلى تحمل جزء من تكاليف علاجهم.

وعلى الرغم من الأعباء والهموم الكثيرة التي يعاني منها موظفو حيفا الذين تتراوح رواتبهم بين 400دولار و700دولار يحرم هؤلاء الموظفون من الضمان الصحي وحق التقاعد ومستحقاته كما يعامل زملاؤهم داخل فلسطين المحتلة.

وفي هذا الموضوع يقول نائب مدير المستشفى للشؤون الادارية الدكتور خليل مهاوش "أن الطبيب الذي يعمل في حيفا يواجه صعوبات جمة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطيني داخل المخيمات في لبنان، فنحن نقوم بواجب وطني لتقديم الخدمات لأبناء شعبنا ومع ذلك لا يوجد أي تقدير لجهودنا"

ويضيف: "السلطة الوطنية في رام الله تعطينا وعوداً بتحسين ظروف حياتنا والسفارة الفلسطينية في لبنان وعدتنا بمتابعة موضوع منحنا ضماناً صحياً، ولكن حتى الآن لم نر أياً من هذه الوعود".

وهنا يتدخَّل الطبيب سعد متسائلاً "إلى متى سيبقى الطبيب الفلسطيني في لبنان على هذه الحال وهل نحن فعلاً جزء من منظمة التحرير الفلسطينية أم لا؟".