بقلم: عبد الباسط خلف

بدد قصف مسيرة احتلالية صمت طمون، وكانت البلدة، التي تستلقي في أعالي الجنوب الشرقي لطوباس، على موعد قرابة العاشرة والنصف من يوم الأربعاء مع صباح مصبوغ بالدم والعويل.

وبلمح البصر، نقلت المسيرة الاحتلالية الطفلين رضا علي أحمد بشارات (ابن الربيع التاسع)، وابن عمه حمزة عمار (صاحب العشرة أعوام)، وابن عمه آدم خير الدين (23 عامًا) إلى خانة الشهداء، تاركة ثلاث عائلات تسبح في أحزانها.

وأكد زكريا غريب، قريب العائلة وشاهد العيان، أن رضا وحمزة كانا يلعبان في ساحة بيتهما، وعلى مقربة منهما ابن العم آدم العائد قبل يومين من الديار الحجازية، عقب أداء مناسك العمرة، لتنهي المسيرة بجرة قنبلة حياة الثلاثة داخل حوش بيوتهم، في منطقة المشماس.

ويقول غريب: إن "جنود الاحتلال سارعوا بعد تنفيذ القصف إلى المكان المستهدف، واختطفوا الجثامين الثلاثة ووضعوها في مركبة عسكرية، ومنعوا والدة حمزة من الحصول على جثمان ولدها الوحيد، وأخبروها باحتجازه، قبل أن يفرجوا عنه بعد عدة ساعات".

- طفلان وقصف

وتابع غريب بصوت حزين: رضا في الصف الثالث بمدرسة ذكور طمون الأساسية الأولى، وهو الابن الوحيد الأصغر بجوار أربع بنات، وقد رزق الله العائلة به عقب 11 سنة طويلة من الانتظار والشوق، وقد أوفت العائلة بنذرها وذبحت خرافًا ووزعتها.

وأكد أن حمزة في الصف الخامس بمدرسة طمون الأساسية الثانية، وهو وحيد بين 6 شقيقات (3 توائم)، وجاء إثر عمليات زراعة ولحظات صبر وانتظار، وبعد أن جاء إلى الدنيا، ذبحت العائلة عجلاً ووزعته على أهالي البلدة.

وأفاد مدير "الأساسية الأولى"، جعفر فقهاء، بأن حمزة ورضا وابن عمهم قضوا في حرم بيتهم وعلى بعد 30 مترًا من المدرسة، فيما دفنوا في المقبرة المجاورة التي تبعد فقط 300 متر عن المدرسة.

- رب وقلب

وتذكر فقهاء اللقاء الأخير الذي جمعه بتلميذه حمزة الإثنين الماضي، إذ يكرر له كل صباح عبارة (رضا ربي ورضا قلبي عليك) في إشارة إلى تميزه وأدبه وبراعته، فيبتسم من الإطراء.

ومضى فقهاء بقلب يقطر وجعًا: حمزة لن ينتقل إلى صفه الرابع، ولن يرى تقديره الممتاز في شهادته المدرسية التي سيجري توزيعها الأسبوع المقبل، فقد أهلته المُسيرة إلى شهادة عليا مختلفة.

واسترد المدير تميز رضا، الذي انتقل هذا العام للمدرسة المجاورة، بعد أن ترك سيرة طيبة وحضورًا خاصًا بين رفاق صفه ومعلميه، فقد كان هادئًا وخلوقًا وقريبًا من القلب، ودون الكثير من الشغف بالرياضة، وكان له رصيد أحلام بأن يكون مديرًا لمدرسة ذات يوم، كما أخبر أساتذته.

وعاشت طمون قبل أيام على وقع قصفٍ ثان لمسيرة أغرق البلدة بالدموع على الشابين عبد الرحمن بني عودة (24 عامًا)، وسليمان مصطفى قطيشات (18 عامًا).

واسترد أهالي البلدة ملازمة رضا لوالده، فقد كان يصطحبه دائمًا في حواريها ومناسباتها، وخصص كتفيه مقعدًا دائمًا له، وحظي بدلال وافر من شقيقاته الكبيرات.

ووصف محمد بشارات، وهو شاب ثلاثيني بكى بحرقة رحيل أبناء عائلته، مساء طمون بالحزين، فبعد إفراج الاحتلال عن الجثامين الثلاثة، عند حاجز تياسير، هبطت الأحزان على العائلة.

وعاد غريب، وهو شاهد العيان على تصفية الأطفال والشاب، بأن مقبرة آل الحاج طالب تحتضن منذ عدوان 7 تشرين الأول 2023 في أحشائها خمسة شهداء، كان لكل واحد منهم أحلامه الكبيرة، لكنها دفنتهم معهم قبل الأوان.

وقالت الشابة سلام بشارات: إن "الحزن دخل كل قلب وبيت في طمون، التي تشتهر بمحميتها الجبلية، وإشرافها على سهل البقيعة والجبال الأردنية".

وعطرت صور خمسة من شهداء البلدة منصات التواصل الاجتماعي، فيما ينتظر الأهالي تحرير جثامين ستة من فلذات أكبادهم احتجزهم المحتل منذ مستهل تشرين الأول 2023، آخرهم عبد الرحمن بني عودة الذي قضى قبل عدة أيام.