منال خميس- غزة- تُشكِّل قضية الأسرى واحدة من أكثر الآلام وجعاً للفلسطينيين كافة، حيثُ أن الاحتلال اعتقل أكثر من مليون مواطن منذ احتلاله للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس في العام 1967.

وهذا الوجع اللامتناهي هو محل إجماع شامل عند هؤلاء بوجوب العمل من أجل نُصرَتهم ودعمهم وإثارة قضيتهم على كافة المستويات المحلية والعربية والدولية، للكشف عما يعانيه أسرى الحرية من إرهاب، وقتل، وتعذيب، وممارسات تمس إنسانيتهم، وبوجوب النضال المتواصل لتحطيم كل القواعد حتى تعترف إسرائيل بهؤلاء الأبطال وتعاملهم كأسرى حرب.

 

حرية بعد انجلاء العتمة

وكم كان قدر حسين العيماوي جميلاً على نحو غير عادي حيث غادر السجن وغرَفهُ المظلمة في أول أيام عيد الأضحى، ليُعانق الحرية والشمس والضياء بعد ست سنوات ونصف من عتمة السجن والسجان.

وعاد العيماوي بعد سنوات الصبر والدم والدمع والشوق هذه ليرى الانتصار ونور النهار، ليعانق شوقاً كل من أحب بما في ذلك الأم والإخوة والأخوات والأحباء والأصدقاء والفرح الآتي من الشمس.

وحسب ما رواه العيماوي للـ"قدس"، فقد شغله خلال الشهر الأخير حساب الساعات، والثواني، والأيام في السجن وهو يحلم باللحظة التي سيحتضن فيها عائلته التي انتظرته بشوق وصبر تواصَلَ على نحو ثقيل خلال سنوات كثيرة مضت، وذلك بعد أن مُنِعَت هذه العائلة، كما غيرها من أُسَر المعتقلين خاصة من سكان قطاع غزة، طويلاً من رؤيته خلال تنقُّله في سجون الاحتلال الإسرائيلي القاسية المظلمة.

وتوقف إسرائيل حالياً، أكثر من خمسة آلاف ومائتي أسير وأسيرة، فلسطينيين وعرب في سجونها السبعة عشر المعلن عنها، بالإضافة إلى السجون السرية التي لا يعرف مكانها أحد، في ظروف غير إنسانية.

حسين العيماوي، قال إنه قضى 2607 أيام، أي 6 سنوات وسبعة أيام بتهمة زرع عبوات ناسفة لجنود الاحتلال ومراقبة تحركاتهم، والانتماء لتنظيم مقاوم هو حركة "فتح" التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

 كما اتهم الاحتلال حسين بحيازة السلاح، وذلك بحسب لائحة الاتهام التي وُجِّهت له بعد اعتقاله من منزله القريب من سياج الحدود مع دولة الاحتلال بالقرب من بلدة القرارة جنوب قطاع غزة، بتاريخ 20/6/2007، وجاء هذا الاعتقال اثر اجتياح قوات كبيرة من جيش الاحتلال للبلدة الوادعة انتقاماً لعملية فدائية نفَّذتها المقاومة الفلسطينية في ذلك الحين.

وفي حديثه عن سنوات الصبر والانتظار يقول العيماوي: "كغيري من الأسرى الفلسطينيين توقَّعت أن يتم الإفراج عني ضمن صفقة "شاليط"، وخاصة في الدفعة الثانية، بسبب قرب انتهاء محكوميتي"، وأضاف: "بنيت آمالاً عريضة، وأحلاماً وردية، خاصة أنني ارتبطت وأنا في الأسر، واعتقدت بأني سأخرج عاجلاً وأتزوج، ولكن قدر الله سبق، ولم يُفرَج عني مما سبَّب لي صدمة كبيرة".

 

لحظات لقاء لا توصف

ولا يجد العيماوي كما يقول الكلمات التي يمكنها أن تقدِّم وصفاً لشعوره الذي احتل روحه ونفسه وأنفاسه لحظة الإفراج عنه من سجن عسقلان بجنوب إسرائيل الذي يبعد عن قطاع غزة كيلو مترات قليلة. فهو لم يُصدِّق أساساً أن ساعة حريته قد حانت خاصة وأن أمامه محتَلاً يحمل كثيراً من الكراهية والمفاجآت السيئة لأي معتقل، فاعتقد أنهم ينقلونه من سجن لآخر للتحقيق معه في قضية جديدة، منوِّهاً إلى أن من عادة سلطات الاحتلال بداخل السجون، أن تفتح التحقيق في قضية جديدة قبل الإفراج عن الأسير بيوم أو يومين أو ثلاثة، لتبقيه في سجونها فترة أطول.

 وقال: "حين نقلوني إلى سجن عسقلان شديد التحصين، هذا قبل موعد الإفراج عني، اعتقدتُ أنني سأخضع للتحقيق في قضية جديدة، وبالتالي ستتأجَّل لحظة حريتي، لذلك فقد كان شعوري لا يُوصَف حين أبلغوني بالإفراج، ولا أي شيء في الدنيا يمكن أن يصف لحظة الحرية".

وأضاف وهو يصف حجم الفرحة التي اجتاحت كيانه "بمجرد أن وصلت حاجز(ايريز)، اتصلت بخطيبتي وقلتُ لها، هويدا... أنا على (ايريز) تعالي خديني.. فكانت صدمتها قوية ولم تصدق ما سمعته، وكررت على سمعها ما قلتُ عدة مرات حتى استوعبت الأمر".

أما والدته التي كان يحتضنها ويُقبِّل يدها بين حين وآخر فأشارت إلى أنها تفاجأت بحضوره، ولم تُصدِّق عينيها حين فتحت الباب لتراه في وجهها، وأردفت "بقيت لدقائق طويلة لا أعرف عددها.. لا أعرف ماذا افعل إلى أن أُغمى علي من حجم هذه الصدمة الجميلة، وقد تمنَّيت من أعماق قلبي هذه الفرحة لجميع أمهات الأسرى بالإفراج العاجل عن أبنائهن".

وطالب العيماوي، القيادة الفلسطينية، وحركتَي "فتح" وحماس، وجميع الفصائل الفلسطينية، بالعمل الجدي لإنهاء الانقسام الداخلي، وتوحيد الصفوف لمجابهة التحديات التي تواجه وجودنا الفلسطيني، في ظل قيام الاحتلال بالتوسُّع وإقامة المستوطنات في الضفة الغربية والعمل على تهويد القدس، لافتاً إلى أن "الأسرى يقضون أحكاماً طويلة في السجون، وبعضهم يعاني أمراضاً مزمنة وخطيرة، وغيرهم يستشهد دون أن يكحِّل عينيه برؤية أمه أو أبيه أو زوجته أو أبنائه، ونحن مشغولون عن هذه القضايا الهامة بقضايا الانقسام وتبعاته".

وتمنَّى العيماوي الإفراج العاجل عن  جميع الأسرى في زنازين الاحتلال، خاصةً أنهم يعانون الأمرَّين داخل السجون، ويدفعون أجمل سنيين حياتهم من أجل الحرية والاستقلال مؤكِّداً أن أصعب المناسبات بالنسبة للأسير هي الأعياد، ومعلِّقاً: "الأعياد هي أكثر المناسبات حساسية بالنسبة للأسرى، فالأسير يفتَح عينيه صباحاً يبحث عن والدته، وذويه، ولكنه لا يجد سوى إخوانه الأسرى، كل واحد منهم يحمل حزنه وينطوي عليه. فالعيد بمثابة مأساة ونكء لجراحنا، ومع ذلك نعيش الأجواء.. نخرج من حزننا لنخفف عن بعض.. ثم يعود كل منا لحزنه الخاص".

ويروي العيماوي أن أصعب أيامه في السجن كانت حين يرى إخوانه الأسرى يصارعون المرض، حيثُ أنَّه شهد حالات استشهاد داخل السجن، أحدها كان الشهيد "ناصر حمدية" الذي لفظ أنفاسه الأخيرة أمامه، بسبب الإهمال الطبي المتعمَّد من سلطات سجون الاحتلال.

ويختم العيماوي بتوجيه رسالة لإخوانه الأسرى في سجون الاحتلال يطالبهم فيها بالوحدة والتكاتف، فهم "عاشوا تجربة مريرة، وسيأتي اليوم الذي سينالون فيه حريتهم، وينعمون بدفء وطنهم وعائلاتهم التي تنتظرهم على أحر من الجمر".