بعد اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، تبادر إلى ذهني السؤال: أين هو قطاع غزة من كل هذه المعادلة؟ قد يبدو السؤال غريبًا، خصوصًا وأن غزة في قلب الحدث، ولكن ما دفعني للسؤال هو أنه بعد انتشار خبر الاغتيال جاءت ردود الفعل، الرسمية والشعبية، وحتى على صعيد الأفراد كلٌّ على طريقته.
فعلى سبيل المثال، الضفة أعلنت إضرابًا شاملاً وكان فيه الالتزام تامًا، والسلطة الوطنية أدانت وأعلنت الحداد العام وفعلت. كما أصدرت القوى السياسية بيانات الإدانة، وحدها غزة لم نسمع صوتها ولم ينقل من هناك أي ردة فعل. أذكر وفي خضم أحداث أيلول/ سبتمبر المؤسفة عام 1970 حتى المنازل نصف المدمرة أو حتى المدمرة ورغم هول ما يجري، رفع أهالي هذه البيوت، وكل بيوت عمان، الأعلام السوداء عندما جاء خبر وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر. لذلك تساءلت أين غزة من المعادلة؟

قد يبدو الجواب لدى البعض بسيطًا ومباشرًا "الله يعين أهل غزة على ما هم فيهم" أو أنه لم يبقى منازل كي يرفع الناس عليها أعلامهم السوداء حدادًا على هنية، ولكن وبغض النظر عن كل الإجابات البسيطة منها والمعقدة،  فإن قطاع غزة ومع الأسف أصبح عمليًا خارج الحياة العادية للبشر، لذلك هو خارج المعادلة، بعد أن أصبح منطقة منكوبة غير قابلة للحياة. الضفة الغربية وبرغم ما يقوم به الاحتلال، إلا أنها لا تزال موجودة في المعادلة وفيها كيانية وطنية رغم الحصار والضغوط. وها هي تتفاعل مع الاغتيال وتضرب وتتحد، بمعنى أن الحفاظ على الوجود المادي للمناطق الفلسطينية هو الأمر المهم والضروري.
ولو تخيلنا أن قطاع غزة بعافيته ولا يزال قائمًا لكنا شاهدنا ولمسنا فعلاً وطنيًا جماعيًا.

إن استراتيجية الصمود والبقاء على الأرض مع مقاومة الاحتلال ضمن إمكانيات الشعب الفلسطيني ومن دون أن تقود هذه المقاومة إلى تدمير مقدراته وإمكانيات بقائه، هذه الإستراتيجية هي الأكثر نفعًا ويمكن أن تراكم، فالصمود على الأرض والبقاء عليها هو العامل الأهم في صراع فيه طرف يتنكر لوجود الشعب الفلسطيني وحقه بأرضه التاريخية، وتنمية المجتمع الفلسطيني وتطويره وتعليمه وتوعيته وطنيًا باستمرار، هو الأمر الذي يحسم في نهاية المطاف قطاع غزة. صحيح أن الناس هناك لا يزالون موجودين وصامدين على أرضهم لكنهم بلا أي مقدرات للعيش، وبعد أن دمرت إسرائيل كل مقومات الحياة فإن البقاء أصبح مشكوكًا فيه.

لذلك علينا، ومن خلال إدراكنا لميزان القوى الراهن أن نمنع بكل الوسائل أن نصل بالضفة إلى ما وصل إليه القطاع، وألا نقدم الذرائع لآلة الحرب الإسرائيلية بأن تفتك بالضفة وبكل مقدرات الحياة، هذا هو  الدرس الأول الذي بالضرورة أن نأخذه بالإعتبار من كل ما حدث خلال الأشهر الأخيرة، فالقطاع اليوم أصبح خارج المعادلة بالرغم من أنه لا يزال يشهد أعمال مقاومة، ولكن هذا لن يغير واقع أن قطاع غزة أصبح خارج المعادلة. وهذه نكبة جديدة بكل معنى الكلمة، من مسؤولية الجميع اليوم أولاً الحفاظ على الضفة، وأن نعمل على سحب كل الذرائع لاستمرار هجمات إسرائيل، وبموازاة ذلك العمل على وقف الحرب بأي ثمن، والانتقال إلى عملية إعادة بناء قطاع غزة، وتوفير الدعم لهذه العملية، ولكن قبل ذاك كله يجب أن نزيل كافة العقبات الداخلية أمام إعادة توحيد القطاع مع الضفة.

وكانت طول الوقت عملية فصل القطاع هدفًا واستراتيجية إسرائيلية، وبأن يجعل غزة منطقة منكوبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولكن إذا ما تم استيعاب الدرس من كافة الأطراف فإن هناك إمكانية لإنقاذ الموقف الوطني في هذه المرحلة وثم ترميم الحالة الفلسطينية كلها على أسس جديدة، وعلى أساس إستراتيجية مختلفة عن كل ما ساد حتى الآن.

التيار اليميني المتطرف والفاشي، الذي مثلت المستوطنات أوكارًا له، وكان يمثل أداة لإرهاب الفلسطينيين، هو نفس التيار الذي يعمل على ضم الضفة ويقوم بحرب الإبادة في غزة، هذا التيار الخطير هو الذي يحكم إسرائيل اليوم، وهو من  أعاد الصراع إلى دائرته الأولى، التنكر التام لوجود الشعب الفلسطيني. السؤال كيف نواجه هؤلاء الفاشيين التوسعين؟ لكل ذلك علينا أن نحافظ على وجودنا على أرضنا باستخدام عقولنا وليس عواطفنا وغرائزنا.