من المتابعة لتداعيات زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن من الاثنين 22 حتى أمس السبت 27 يوليو الحالي، قدم العديد من المراقبين الإعلاميين والسياسيين من إسرائيليين وأميركيين وأوروبيين وفلسطينيين وعرب قراءات متباينة لأثر الزيارة على مكانة رئيس حكومة الإبادة الجماعية. رغم أن الأغلبية اتفقوا على أن خطابه أمام أعضاء المجلسين الأربعاء الماضي 24 يوليو كان مليئًا بالأكاذيب والغطرسة والاستعلاء، ورغم ذلك حظي باستقبال غير مسبوق من أعضاء المجلسين من الحزب الجمهوري، واعتبر غالبية المراقبين أن مسرحية التهريج والتصفيق الإجباري ومدفوع الثمن عنوان للاستخفاف والابتذال والسقوط القيمي، حيث عكسوا بتصفيقهم المتهافت واللا مسؤول لرجل الإرهاب الإسرائيلي، الذي استحق بجدارة وصفه بالكاذب الأول عالميًا، وتمثلوا صورة الولايات المتحدة في أحط درجاتها، وبؤس حالها وتراجع مكانة امبراطوريتها.

وافترض قطاع من المراقبين، أن نتنياهو حقق مكاسب إيجابية، وخاصة من السلطتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة، وأرسل من خلال هذا الاستقبال رسالة للداخل الإسرائيلي بالإذعان لمشيئة قراره، معتقدًا أنها منحته القوة لتنفيذ ما يدور في خلده من نوايا بإقالة وزير حربه غالانت، الذي على ما يبدو أنه سيكون كبش فداء لترميم مكانة نتنياهو داخل حزب الليكود والائتلاف الحاكم على حد سواء، بشخص آخر، يعتقد أنه جدعون ساعر، حسب الأوساط الإعلامية الإسرائيلية، رغم أن المقربين منه قالوا شيئًا من هذا لم يطرح في أوساطهم، وغير موجود على طاولة ساعر. 
واعتبر بعض أصحاب هذا الاتجاه، أن استطلاعات الرأي الإسرائيلية في صحيفة "معاريف" و"القناة 13" ليل الخميس الماضي 25 يوليو مؤشر على ما ذهبت إليه. مع أن تلك الاستطلاعات لم تسهم في زيادة مقاعد الليكود بمقعد واحد، وبالتالي راوح الحزب الحاكم عند ذات عدد المقاعد في استطلاعات الشهر الماضي بمعدل 21 مقعدًا، والارتفاع الذي حصل محدود جدًا، وكان لصالح كل من حزبي بن غفير وسموتبريش بمقعد واحد، وأيضًا لم يضمن لائتلاف نتنياهو تشكيل حكومة جديدة في حال جرت الانتخابات اليوم، وحصاده لا يزيد عن 53 مقعدًا. كما أن مكانته في المنافسة على رئاسة الحكومة مازالت تراوح بالمعايير النسبية في مكانها. لأن التحسن النسبي في نسبة أهليته لقيادة الحكومة بقيت دون نسبة نفتالي بينت، وحتى بيني غانتس، الرجل الضعيف، والذي يذكرني بشخصية شمعون بيريس، مازال يتفوق عليه، حيث يحصل على نسبة 40% ونتنياهو على 38%، أما بينت فيحصل على 43% ونتنياهو لم يتجاوز سقف 38%.

والرأي الآخر، الذي أتبناه، يُعتَقد أن نتنياهو لم يحقق نتائج إيجابية من زيارته لواشنطن، ومسرحية التهويش والتهريج المبتذلة والرخيصة، التي كشفت عن خواء وإفلاس أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ من الجمهوريين، وبعض الديمقراطيين المتصهينيين لم تعزز موقعه أميركيًا، ولا إسرائيليًا، ولا عربيًا أو دوليًا. فعلى الصعيد الأميركي الشارع والنخب الأميركية منقسمة بشكل عامودي وأفقي، وكانت ذكرت كاملا هاريس، مرشحة الرئاسة الأميركية الأوفر حظًا عن الحزب الديمقراطي، إن "الحرب في غزة، ليست قضية ثانوية، بل قضية تهم الجميع"، وأضافت في مؤتمرها الصحفي عقب لقائها نتنياهو يوم الخميس الماضي: "لم يعد مسموحًا لنا، أن نغض النظر عما يجري هناك، ويجب وقف الحرب فورًا". 
واعتُبِرَتْ رسالة نتنياهو لوزير الحرب وقيادات الأجهزة الأمنية وللمعارضة والجمهور الإسرائيلي محبطة، وعكست ردود فعل سلبية وغاضبة عليه، ولاحظنا من مؤشر استطلاعيين للرأي قبل ثلاثة أيام لم يحدث أي تغيير جدي لصالح رئيس الحكومة، ومن وقف معه وصفق له، هم أقرانه أعضاء الائتلاف الحاكم وأنصاره في حزب الليكود، وهذا ليس جديدًا، وبالتالي فإن نتائج الزيارة مخيبة للآمال، ليس هذا فحسب، بل قد يتمخض عنها تفاقم أوسع وأعمق للتناقضات بين المؤيدين لإبرام صفقة التبادل ووقف الحرب في قطاع غزة، مما يضع رئيس حكومة الإبادة الجماعية أمام أكثر من خيار، الأول الالتفاف على الضغوط وقبول بالصفقة، وتطبيق مرحلتها الأولى، أي الالتزام بهدنة لستة أسابيع، ثم يعود لنقض باقي المراحل، والعودة لدوامة الحرب، الثاني أن يبقى يناور، ويرفض إبرام الصفقة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر القادم، ويطيل أمد الحرب حتى استلام الرئيس الفائز بالانتخابات في يناير 2025. لا سيما وأن كلا المرشحين الجمهوري والديمقراطي يدعوان ويطالبان بوقف الحرب فورًا، وبالتالي لا مجال أمامه للمناورة. والثالث أن تلزمه إدارة بايدن بوقف الحرب فورًا. لا سيما وأن الرئيس الأميركي بات متحررًا من قيود السباق الرئاسي. 

وإذا افترض البعض، أن مواصلة دعم الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل بالمال والسلاح وأمام المنابر الدولية إنجازًا، فهو من ثوابت السياسة الأميركية، وما قدمته إدارة بايدن لإسرائيل منذ الخريف الماضي حتى اليوم 296 من الإبادة الجماعية يؤكد أن الجوانب المذكورة ليست جديدة، ولا تعتبر إنجازًا. وبالتالي فنتائج الزيارة صفر، ولم تحمل مردودًا شخصيًا ولا إسرائيليًا، ومسرحية التهريج مدفوعة الثمن، واجهتها الجماهير الأميركية بمظاهرات صاخبة رافضة لاستقبال الرجل الأكذب في التاريخ، ومطالبة بوقف الحرب فورًا، ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه السياسية والقانونية، والمحصلة بلا مردود.