- كتاب جديد للكاتبة والشاعرة الفلسطينية: "نهى عودة"

- بقلم: وحيد سيف الدين - "الجزائر"

أضافت الكاتبة والشاعرة الفلسطينية "نهى عودة" إلى رصيدها الأدبي كتابا جديدًا بعنوان "موسوعة: شاعرات من بلادي"، وهو جهد كبير يُضاف إلى جهود الفلسطينيين في توثيق كل شأن فلسطيني: أدبي، فني، تراثي، حِرَفي.. لمواجهة مشاريع التَّهويد وسرقة الذاكرة الفلسطينية وتزييفها وتشويهها وتحريفها. وقد اختصّت "نهى عودة" موسوعتها بالشاعرات الفلسطينيات للتأكيد على حقيقة مفادها أنّ العرب، منذ الجاهلية إلى يومنا هذا، لهم "خنساء" واحدة في الشعر، أمّا فلسطين فكل شاعرة فيها هي "خنساء"، وما أكثر خنساوات فلسطين منذ عام النكبة حتى الآن!
 
التَّوثيق مهمّةٌ نضاليّة
 
في تقديمها لكتابها الجديد، كشفت "نهى عودة" عن قناعتها بأنّ "التَّوثيق هو مُهمّةٌ نضاليّةٌ وفِعلُ مقاومةٍ بالغةِ الأهميّةِ، تَتعدّى أهدافُه مجالَ التاريخِ والتأريخِ إلى مجالِ الحفاظِ على الشخصيةِ الوطنيةِ الفلسطينيّةِ وبناءِ جسورِ الاتِّصالِ والتّواصلِ بين أجيالِ الفلسطينيين، سواءٌ كانوا في فلسطين المُحتلّة أو بلدانِ اللّجوءِ أو المَهاجر..".
 
كيف جات فكرة الموسوعة؟
 
وحول اختيار "نهى عودة" إنجاز عمل أدبي توثيقي حول المرأة الفلسطينية التي "تُمارس" الشِّعر وتكتبه وتحياه، تقول في تقديمها: "من هذا المنطلق (التوثيق) جاءت فكرةُ (موسوعة: شاعراتٍ مِن بلادي) لتُسهم في التَّوثيقِ الشِّعريِّ لامرأةٍ ليس مثلَها امرأةٌ أخرى في العالمِ، امرأةٌ تنفردُ عن كلِّ النساءِ في العالم بحجمِ المسؤوليةِ الذي تحمله على كاهِلِها دون أن تَضعُفَ أو تَتسلّلَ إليها روحُ الانهزاميّةِ والانكسار، وهي ترى دماءَ آبائِها وإخوتِها وأبنائِها تُسفَك، بكل همجيّةٍ وتوحُّشٍ، على أرضِها التي تصرخُ في مَدَى الكونِ بكلِّ ما فيه مِن مَجرّاتٍ وكواكب ونجوم وأفلاك: أنا أرضٌ فلسطينيّةٌ عربيّةٌ، أرضُ الشعبِ الفلسطينيِّ العربيِّ!".
 
ما معنى امرأة فلسطينية؟
 
حاولت الشاعرة الفلسطينية "نهى عودة" أن تُوجِد أوّلاً تعريفًا للمرأة الفلسطينية، فقالت: "مِن المُجدي أن نَصوغ تعريفًا للمرأة الفلسطينيّة، ليس لتمييزها عن نساء العالم، بل من أجل الاقتراب مِن عوالم أعماقها الداخليّة المَشحونةِ بالآلام والمواجعِ والأحزان.. ولكن عليها أن تَتدفّق بالأملِ والاستبشار والتَّفاؤل وكلّ عواطف الأمومة، وذلك حتى لا تترك مَنافذ يَتسلّلُ منها اليأسُ والخوفُ من المُستقبلِ إلى دَخائلِ أبنائِها، وأيضًا حتى تَمحو نظرةَ الانكسارِ من عُيون أبنائِها قبل أن تُرتَسم.. ولا نعتقدُ بأنَّ هناك لغةً بشريّةً أو تَعبيريّةً يُمكنها أن تَستوعِب ما تَعنِيه المرأةُ الفلسطينيّةُ، لذلك سَنُجيز لأنفسها تعريف هذه المرأة بأنّها هي نفسُها: أرقى أبجديَّة إنسانيّة عرفَها التّاريخُ البشريُّ، ولا يُمكن أن يفهمَها إلاّ مَن حافظ على ضميرِه حيًّا مُستيقظًا نقيًّا لم يقع بَعدُ ضحيّة التَّضليلِ والأكاذيب، ولم يتكلّس من تَراكُم الدِّعايات الإعلاميّة (القذرة)، ولم تُلوِّثه ألَاعيبُ السياسةِ المَكسُوّة بالشِّعارات (البَرّاقة) التي لم تَعُد تَخدع حتى الجماد، ولا يَنخدع بها إلاّ مَن ارتضى لنفسه أن يكون يعيش مُنخدِعًا أو يكون بَيدقًا في لعبة الخديعة".
 
الفلسطينية.. تصنع الجنة وهي تحيا في جهنّم!
 

ثم تنتقل "نهى عودة" إلى محاولة البحث عن جواب للسؤال: ما معنى أن تكون هذه المرأةُ فلسطينيّةً وشاعرةً في الوقتِ نفسِه؟ وذلك بالنّظر إلى حجم المسؤولية الذي تتحمّله المرأة الفلسطينية في واقعها اليومي، تقول "نهى عودة": "بعد محاولة تعريفنا لمعنى: المرأة الفلسطينيّة، علينا أن نتخيّل ما معنى أن تكون هذه المرأة فلسطينيّةً وشاعرةً في الوقتِ نفسِه؟ يبدو فِعلُ التَّخيُّلِ ذاته فعلاً مستحيلاً، ذلك أنّ الشاعرَ بطبيعتِه هو رسولٌ بالإلهام، ويلتقي مع الرّسولِ بالنّبوّةِ في الهدفِ الأسمَى وهو الارتقاءُ بالكائنِ البشريِّ إلى مرحلةِ الكائن الإنساني، وتحقيق المعادلة بين الروحِ والجسدِ، وإسعاد الإنسانيّة في بيئةٍ تحكمُها العدالةُ (العادلةُ).. فكيف للمرأة الشاعرة الفلسطينيّة أن تُحقّق الرسالةَ الشّعريّةَ وتُسعِد مَن يتلقّى شعرَها، إذا كانت تحيا في خِضمِّ المآسي اليوميّةِ: قتل، سجن، تعذيب، ظُلم، اضطهاد، فقر، تهجير، دمار.. وما لا يُوصَف مِن جرائم الإبادة والقتل الماديّ والمعنويّ؟".
 
تضيف "نهى" قائلةً: "كيف للمرأة الشاعرة الفلسطينيّة أن تصنع الجنّةَ: الأمل في المستقبل، اليقين بالنصر، التشبّث بالحياة بكل حُبٍّ وشغفٍ.. وهي تحيا في جهنّم الاحتلالِ الصهيوني؟ إنّ الإجابة عن هذه التساؤلات، ومحاولة ضَبطِ المعادلة، هي النقطة التي يُمكن أن ننطلقَ منها في تَخيّل معنى: الشاعرة الفلسطينيّة.. سنترك مُهمّةَ صِيَاغةِ المعنى إلى القارئ، فكلٌّ حسب قدرتِه على التَّخيّل في سِياق ما طرحناه من تساؤلات".
 
الطريق إلى التّوثيق العاطفي
 

تُحدّثنا "نهى عودة" عن الشاعرات في موسوعتها، فتقول: "تَشتمل موسوعةُ "شاعرات من بلادي" على شاعرات من مختلف المناطق الفلسطينية وبلدانِ اللُّجوء والمَهاجر في دول العالم.. وهي تَسعى إلى لون جديد من "التَّوثيق العاطفيّ" لامرأةٍ تَختزن في ذاتِها كونًا إنسانيًّا فيه شموسٌ وأقمار وكواكب ونجوم، فيه سماوات ومغارات وحقول، فيه أعاصير ونسائم وأزاهير.. فيه عادات وتقاليد وحَكايا، فيه ماضٍ يَأْبَى الموتَ، وحاضر يلتزم بالصُّمود، ومستقبل لا ارتيابَ ولا ريبَ في أنّه سيكون فلسطينيًّا عربيًّا".
 
إلى القارئ العربي
 

وفي آخر تقديمها، تتوجّه الكاتبة والشاعرة "نهى عودة" إلى القارئ العربي، قائلةً: "أيّها القارئُ، وأنت تمسك بالموسوعةِ بين يديك مُبِحرًا في "شاعراتٍ من بلادي"، تذكّر ما معنى: امرأة فلسطينية؟ وما معنى: شاعرة فلسطينيّة؟ ولا تنسى أنّ هذه الموسوعة هي شكلٌ من أشكال المقاومة".
 
"نهى عودة" توقِّع موسوعتها في الأردن

بعد أيام قليلة من صدور "موسوعة: شاعرات من بلادي"، توجّهت "نهى عودة" إلى "الأردن"، حيث قامت بتنشيط أمسيات عديدة عبر بعض المحافظات الأردنية، ابتدأتها من العاصمة "عمان"، حيث احتضن حفلَ توقيع الموسوعة منتدى "الجياد للثقافة والتنمية" في "بيت الثقافة"، تحت رعاية الأديب "محمود أبو عواد"، ونشّط حفل التوقيع الكاتب الأردني "سامر المعاني" الذي تحدّث "عن أهمية الموسوعة وشكلها النضالي وما احتاجته من جهود كبيرة لإنجازها وإخراجها إلى القارئ العربي".

الأستاذ "أحمد أبو حليوة" والكاتب "علي القيسي" قدّمَا "قراءات انطباعية حول الموسوعة، وأشادا بإنجازها، وبأنها عمل وطني فلسطيني وعربي يستحق كل تقدير، وأن الفلسطيني تعدّدت أشكال نضاله وكان القلم دوما له تأثيره الخاص في المسيرة النضالية الفلسطينية". أمّا الشاعرة الفلسطينية "نهى عودة" فقد أكّدت بأنّ "هذا المجهود لن يقف عند إصدار هذه الموسوعة، بل ستستمر من أجل توثيق مسيرة النضال الفلسطيني في كل مجالاته".


كما كان للشاعرة "نهى عودة" فعالية أخرى في محافظة "إربد"، فقد أقام "منتدى الجياد للثقافة والتنمية" في مقر "بيت عرار الثقافي"، حفل توقيع للموسوعة تحت رعاية سفيرة النوايا الحسنة السيدة "فايزة الزعبي" التي أكّدت على أنّ "توثيق الوجع والحرف وكافة أشكال النضال أمر ضروري حتى لا ينسى أحد بأن العودة حق وفلسطين أرض عربية".  


حفل التّوقيع قدّمته القاصة الأردنية المبدعة "روند الكفارنة" التي تحدّثت عن الحب المُقدّس الذي يكنّه كل عربي لفلسطين، كما تحدّثت عن قيمة الموسوعة وجدواها في النضال الفلسطيني. وقد شارك كل من الشاعر الدكتور "إبراهيم الطيار" والذي بدوره أثنى على الموسوعة وعلى المجهود الكبير الذي تطلّبته لإنجازها، كما كان له قراءات لعدة نصوص شعرية لشاعرات شاركن في الموسوعة.  وأما الشاعر "صالح حمدوني" فقد قدّم "قراءته الخاصة عن الموسوعة والتي أشاد بإنجازها وبأنها عمل وطني فلسطيني وعربي يستحق كل تقدير، وأثنى على ما قدمته الشاعرة (نهى عودة) من مجهود، ومن خروج عن المألوف بإظهار أسماء الشاعرات وتوثيقها لسيرتهن وقصائدهن وهذا يعني اهتمام الشاعرة عودة بالشأن الثقافي الفلسطيني ومتابعته، وبأنها (الموسوعة) قضية ورسالة تحملها الشاعرة بكل فخر واعتزاز بشاعرات وطنها فلسطين". 


وفي كل محطّة، كانت الكاتبة والشاعرة الفلسطينيّة تقدّم قراءات من دواوينها الشعريّة، ولتكون هي ذاتها الأنموذج الحاضر للمرأة الفلسطينية الشاعرة. ولعل "الأردن" هي المحطة العربية الأولى التي قدّمت فيها الشاعرة موسوعتها، في انتظار محطات أخرى عبر البلدان العربيّة.. ونُذكّر بأنّ الكاتبة والشاعرة الفلسطينية "نهى عودة" تنشر كل يوم خميس "قصاصات لاجئة" في جريدة "الأيام نيوز"، وهذه القصاصات هي أيضًا نوعٌ من التوثيق الأدبي لواقع الحياة في المخيّمات الفلسطينية في بلدان اللجوء..