كلما اقترب موعد خطاب نتنياهو على منصة الكونغرس الأميركي، تستحضر أذهان الجمهور أسئلة مهمة، على رأسها السؤالان التاليان:  من يستقوي بمن؟ ومن يستخدم من؟ ارتكازًا على اعتقاد سائد أن الكونغرس الأميركي يستقوي بإسرائيل على البيت الأبيض، وأن منظومة الاحتلال الإسرائيلي تستخدم السلطة التشريعية في الولايات المتحدة "الكونغرس" لضبط سياسات البيت الأبيض أي سياسات الرئيس الأميركي، وتمنع أي تحول لغير صالح إسرائيل. لكن الحقيقة غير ذلك، فالمدير التنفيذي للمشروع الاستعماري الصهيوني، والمقصود في هذا التعبير كل رئيس حكومة لمنظومة الاحتلال عمل في هذه المهمة منذ تشكيلها وحتى اليوم، هو الذي يبادر للاستقواء بالكونغرس واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة كلما قدر أن المشروع الصهيوني الاستيطاني الاستعماري العسكري في خطر يهدد وجوده أصلاً، ونضع هنا ما قاله بنيامين نتنياهو يوم  19 فبراير الماضي: "خلال الأيام الأخيرة نشهد ضغوطاً من نوع جديد تتمثل في محاولة فرض إنشاء دولة فلسطينية علينا وهي ستشكل خطراً على وجود دولة إسرائيل" وبنفس المضمون ولكن مع إضفاء صورة مرعبة  قال سموتيرتش قبل نتنياهو: "على أصدقاء إسرائيل أن يفهموا أن الدفع باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية هو دفع باتجاه المذبحة المقبلة، ولهو خطر وجودي على دولة إسرائيل".

ونسلط الضوء بهذه اللحظة على تقرير حصري نشره موقع أكسيوس الإخباري الأميركي، تحت عنوان "الخارجية الأميركية تدرس خيارات اعتراف محتمل بالدولة الفلسطينية". حول طلب البيت الأبيض من وزارة الخارجية إجراء مراجعة وتقديم خيارات سياسية، بشأن الاعتراف الأميركي والدولي المحتمل بدولة فلسطينية، الأمر الذي اعتبر في غاية الحساسية على المستويين المحلي الأميركي والدولي، خاصة أن تحقيق انجاز في الشرق الأوسط يحسب لإدارة بايدن بخصوص تطبيع دول عربية جديدة مع إسرائيل يتطلب أن يكون "الاعتراف بالدولة الفلسطينية الخطوة الأولى في المفاوضات لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بدلاً من الخطوة الأخيرة ". ما يعني اقتناع، أو امتثال الإدارة الأميركية لموقف المملكة العربية السعودية التي اشترطت إقرار إسرائيل بقيام دولة فلسطينية وإظهار ما يثبت جديتها في هذا الاتجاه، للسير في الخطوة التالية حسب ترتيب أولويات المبادرة العربية، حيث تأتي العلاقات الطبيعية بعد قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لذلك فإن تقديراتنا أن نتنياهو سيطلب من الكونغرس تشديد الضغط على المملكة العربية السعودية، للفوز بتطبيع ليس بلا ثمن وحسب، بل بتدمير أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية في اليوم التالي لانتهاء حملة الإبادة الدموية والتدميرية التي يشنها جيش منظومته بقرار سياسي من حكومته، على الشعب الفلسطيني، عبر إخراج قطاع غزة من دائرة الحياة، وتنفيذ مخططات التهجير القسري في الضفة الغربية بما فيها القدس بالتوازي مع تهجير مواطني غزة إلى سيناء ومصر العربية! لكننا نعتقد أن قيادة المملكة العربية السعودية ستبقى وفية لتعهداتها ومواقفها من الحق الفلسطيني، خاصة بعد ثبوت خطأ تقديم التطبيع على أولوية إقرار واعتراف إسرائيل بقيام دولة فلسطينية.

أما الإجابة على سؤال: من يستخدم  من؟ فالأمر واضح جدًا، وهو أن الدولة الاستعمارية العميقة المتأصلة في العقلية الناظمة لكل من السلطتين التشريعة والتنفيذية في الولايات المتحدة هي التي تستخدم إسرائيل، وما رؤساء حكوماتها إلا أدوات تنفيذية، ولكن ماذا عن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة؟ الجواب هو أن هذا اللوبي يجد مصلحته وموطنه أولاً وأخيرًا في الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها القوة الأعظم عسكريًا واقتصاديًا وماليًا والأوسع نفوذًا في العالم، وأن هذا اللوبي يستخدم إسرائيل باعتبارها مركز تجميع لليهود المضللين بخديعة الصهيونية الدينية والسياسية، لتجديد القوة البشرية اللازمة ولإدامة بقاء هذا المشروع الإسرائيلي لأطول مدة زمنية ممكنة، ولا يجب أن يغيب عن بالنا أن الوكالة اليهودية قد استدرجت يهودًا فقراء من أوطانهم الأصلية، ومنهم نسبة عالية من البلدان العربية "السفارديم"  ليكونوا في خدمة  اليهود الغربيين "الاشكناز" وحسب، ولكي يضعوهم في مستوطنات على خط النار الأول مقابل حدود دول عربية مجاورة لفلسطين، أما الأشكناز، فهم الذين أوكلت إليهم إدارة المشروع الاستعماري المسمى "دولة إسرائيل"، وهذا ما دفع نتنياهو إلى الإفصاح علنًا على منصة "إكس" عندما كتب في نيسان الماضي: "أن الكونغرس الأميركي تبنى للتو بغالبية ساحقة مشروع قانون مساعدة مقدراً جداً، يعكس دعماً ثنائياً قوياً لإسرائيل ويدافع عن الحضارة الغربية" وبذلك تتضح لنا أبعاد رفض دافيد بنغوريون "أول رئيس حكومة لإسرائيل" إحضار يهود من بلاد عربية إلى إسرائيل، حيث أعرب عن خشيته من تناقضهم مع المفاهيم الغربية وكان ينظر إليهم باحتقار نظرًا لتأصلهم بعادات وتقاليد وثقافة عربية.