نفدت أوراق شجرة توت نتنياهو، فورقة حماس وانقلابها، وقطع قطاع غزة ترابيًا وسكانيًا بسلاح الانقلاب، وتوصيل المال اللازم لإبقاء سلطة أمر واقع على قيد الحياة، بقصد منع تحول السلطة الوطنية الفلسطينية الى نواة دولة فلسطينية، كانت آخر ورقة غطى بها عورة سياسته. فنتنياهو كان دائم الحديث عن عدم وجود شريك فلسطيني، حتى أنه أقنع دولاً في الاتحاد الأوروبي بعدم جدوى الاستمرار بالعملية السياسية نظرًا لوجود سلطتين لدى الفلسطينيين، ويقصد السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، وسلطة حماس "الأمر الواقع" في قطاع غزة، التي دعمها بالمال وغض الطرف عن تنامي قوتها العسكرية تمهيدًا لهذا اليوم الذي يعلن فيه صراحة رفضه لحل الدولتين، وضاربًا هيبة الرئيس الأميركي جو بايدن -الذي بدا للرأي العام الأميركي والعالمي كرئيس بلا مصداقية- عندما نفى قبوله بحل الدولتين، مكذبًا رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الدولة العظمى صاحبة القرار الأول بإنشاء إسرائيل، وصاحبة الكلمة الحاسمة في تحديد مصيرها ومستقبلها، الذي قال رئيسها الحالي بايدن: "إن نتنياهو لا يرفض حل الدولتين" وإنه ليس مستحيلاً تحقيق هذا الحل اثناء وجوده على رأس حكومة اسرائيل!!  

 

وهنا يقفز السؤال التالي: هل فاجأ نتنياهو حلفاء وأصدقاء إسرائيل والمقتنعين بسياسة حكومتها العنصرية بهذا الموقف الأوضح في تاريخ حكومات إسرائيل منذ اغتيال رئيس الحكومة  الاسرائيلية الأسبق اسحاق رابين، والجواب الافتراضي طبعًا لا، لأن نتنياهو كان قد أعلن جهارًا نهارًا افتخاره باغتيال عملية السلام، ودفن اتفاقية اوسلو حية، مستصغرًا الدول العظمى ودول الاتحاد الأوروبي، والشرعية الدولية التي كانت شاهدًا على اتفاق كان يجب ان يفضي– حسب حل الدولتين– إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران من سنة 1967، لذلك فإننا لا نرى مواقف وتصريحات هذه الدول إلا محاولة للتعمية على تقاعسها في الانتصار لإرادتها وإرادة القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، فهذه الدول كان عليها الاعتراف بدولة فلسطين الى جانب أكثر من 140 دولة اعترفت بها حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 19/67 عام 2012، ونعتقد أن مماطلتها، وتسويفها الاعتراف بدولة فلسطينية وربطه بموافقة اسرائيلية، ساهم الى حد كبير في تعزيز رفض حكومة الصهيونية الدينية والقوة اليهودية التي يقودها نتنياهو، الى تأكيد وتثبيت اسرائيل كمنظومة احتلال  واستعمار استيطاني عنصرية، قائمة على مبدأ ابادة الشعب الفلسطيني، وإنكار وجوده وحقوقه، كما نشهد ويشهدون معنا بالدلائل الحسية خلال 108 أيام على حقيقة المنهج الناظم لسياسة حكومة اسرائيل، التي صنفت كدولة تمييز عنصري، وتقف اليوم كمتهم امام منصة محكمة العدل الدولية، وربما يقف ضباط من جيشها، وساسة من حكومتها الحالية أمام المحكمة الجنائية الدولية على جرائمهم ضد الانسانية، وجرائم الإبادة التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني مع توفر النية سلفًا لارتكابها، فرفض رئيس حكومة إسرائيل وهي الدولة القائمة بالاحتلال كما عرفت بقرارات الشرعية الدولية، يعني أنها دولة خارجة عن النظام والقانون الدولي، تهدد سياستها المخادعة الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، وتساهم بتوسيع رقعة نيران الصراعات الدموية الطائفية والمذهبية والدينية والعرقية، فالعالم يقر اليوم بأن سياسة اسرائيل هي المسبب والمؤجج لهذه الصراعات والحروب، لتعزيز مبرراتها برفض قيام دولة فلسطينية، بذريعة الخطر الداهم على وجودها، ونعتقد في هذا السياق أن العالم ما كان بحاجة الى الجحيم الذي سعرته اسرائيل على ارض فلسطين وضد شعبها، ليدرك أن الحل يكمن بقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة  وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 حزيران 67، فسياسة اسرائيل ليست وليدة اللحظة، أو لتطورات احداث، وإنما هي خلاصة لكل الخطط التي نفذتها فعليا، وتلك التي ما زالت في الأدراج، بانتظار التمهيد لها عمليًا.

 

نعتقد أخيرًا أن واشنطن الممتنعة، ومعها عواصم أوروبية مترددة حتى اليوم، لأخذ قرار الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، قد أيقنت مصداقية توجهات القيادة الفلسطينية نحو السلام، وتأكدت من صحة الرواية الفلسطينية، وأن حكومة منظومة الاحتلال إسرائيل التي يرأسها نتنياهو، ليست اكثر من كتلة نارية حارقة للسلام، باتت خطرًا على العالم كله وليس على الشعب الفلسطيني وحسب. فقد أسقط نتنياهو بيديه قناع إسرائيل الديمقراطية، المنسجمة مع القيم الغربية كما كان يقول دائمًا، ولعله وجد في سموتريتش وبن غفير وغيرهما من يساعده على أخذ مصير إسرائيل إلى حيث يريد هو، ولكن لن يكون نحو درب السلام الذي عاد ليشق طريقه في وعي الجمهور الإسرائيلي.