ملف التهجير القسري والتطهير العرقي للشعب العربي الفلسطيني لم يزل عن طاولة القيادات الإسرائيلية المتعاقبة، وفي زمن حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ 110 أيام حتى اللحظة يتكثف ويتركز الحديث في اوساطهم بتواتر عال حول عملية التهجير من قبل أركان قيادة الحرب، ويعملون على تكريسه عبر حرب الأرض المحروقة. فإضافة إلى أنه هدف استراتيجي للحركة الصهيونية وحكومات إسرائيل المتعاقبة، فهو يحتل ما بعد 7 أكتوبر الحاحيه أكثر من السابق، لماذا؟ لأن الشعور الداخلي الإسرائيلي باقتراب أجل المملكة اليهودية الصهيونية الثالثة، وكون العملية الفدائية الكبرى في أكتوبر عمقت القناعة في أوساط المجتمع الإسرائيلي بمختلف أطيافه عمومًا والنخب السياسية والعسكرية خصوصًا من ترجيح اندثار الدولة الإسرائيلية اللقيطة. لأنها ضربت فكرة المشروع الصهيوني في الصميم، وتركت ندوب سوداء عميقة على ديمومة الدولة العبرية، وكشفت ظهرها، وعرت إفلاسها كأداة وظيفية قادرة على مواصلة دورها، الذي أقيمت من أجله. 


وكما ذكرت فيما سبق، أن هزيمة إسرائيل الأولى، هي هزيمتها الأخيرة. كونها لا تقبل القسمة على ركيزتين، الأولى مطلق هزيمة، والثانية أية عملية سلام. لأن كلا الحالتين تهددان بقاء واستمرار الدور الوظيفي، وتفتح فوهة بركان التناقضات السياسية والعسكرية والاجتماعية والدينية، وتدفع نحو إشعال نار الحرب الأهلية، وتضاعف من عمليات الهجرة المعاكسة والتمهيد لزوال الدولة. 
وقد أكون حالمًا، أو مبالغًا في استنتاجي العلمي، بأن مشغلي وأصحاب المشروع الصهيوني في الغرب الرأسمالي وفي طليعتهم الولايات المتحدة الأميركية سيعيدون النظر في الأهمية الاستراتيجية للدولة الإسرائيلية في المستقبل المنظور، بعد سلسلة دراسات في أوساط صناع القرار والدولة العميقة هنا أو هناك. لأن فزاعة إسرائيل، والعصا الغليظة، التي كانت تمثلها، وانكشاف إفلاس أجهزتها الأمنية وخاصة برامجها السيبرانية وأسلحتها المختلفة من الدبابة ميركافا إلى القبة الحديدية إلى مقلاع داود، حيث تبين أنها مجرد بالونات منفوخة، ولا تساوي شيئًا في النطاق الميداني، وكشف عن هشاشتها وتهكتها، الأمر الذي سيدفع عرب التطبيع ودول الإقليم ودول العالم كافة لاعادة نظر في علاقاتهم معها. لانه تأكد ان إسرائيل هي من يحتاج للحماية، وليست تلك الدول، وبالتالي لم تعد ذات جدوى مرجوة لا سياسيًا ولا عسكريًا ولا أمنيًا. 


لكل ما تقدم، تعمل القيادة المهزومة والمرعوبة على تسريع عملية التطهير العرقي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الفلسطينية وفي ال48. لأنها كلما وسعت وعمقت عمليات التهجير القسري للخارج، كلما ساهم ذلك بإطالة عمرها وبقاءها. لأنها تخشى مما ينتظرها في اليوم التالي للحرب، مما يدعوها إلى التمسك بأكثر من هدف، أولاً إطالة امد الحرب لعلها تتمكن من إعادة الاعتبار لمكانتها في الداخل الإسرائيلي والمحيط العربي والاقليم، ثانيًا الخشية من اليوم التالي للحرب، الذي لا يتعلق بانتهاء دور نتنياهو السياسي، وذهابه للسجن. ولكن لخوفها من الزلزال الذي سيضرب مكونات الدولة الإسرائيلية وتداعياتها الداخلية، التي تحمل في طياتها انفجار دوامة الحرب الاهلية بشكل واسع. 
من هنا جاء اقتراح وزير الخارجية الإسرائيلي، كاتس لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قبل يومين بفكرة إقامة جزيرة في البحر للفلسطينيين، كأحد الحلول لتنفيذ عملية التطهير العرقي بعد أن رفض الاشقاء العرب وخاصة مصر والأردن من تمرير المخطط الإجرامي، وهي فكرة واهمة وواهية، ولا تقبل القسمة على خيارات الشعب العربي الفلسطيني. وإذا كان ولا بد لبناء جزيرة لأحد، فالأجدر أن تبنى لليهود الخزر، الذين جلبتهم الحركة الصهيونية والغرب الرأسمالي لتشكيل دولة المرتزقة على أرض فلسطين وعلى حساب نكبة شعبها الأصيل، صاحب الأرض والتاريخ والموروث الحضاري، في حال رفضوا أو لا يرغبون بالعودة لبلدانهم، أو حتى لإشباع رغباتهم بوجود دولة. 


والتجربة التاريخية أكدت لكاتس ونتنياهو وبن غوريون وشمير وبيغن ورابين وبيرس ومن لف لفهم من قادة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن الشعب العربي الفلسطيني مع صباح كل يوم يزداد تمسكه بأرض وطنه الأم فلسطين، ولن يرحل منها لالف اعتبار واعتبار. لكن انتم المارون والعابرون بلا استئذان، وفرضكم الغرب الرأسمالي، وكونكم لا تملكون تاريخًا ولا تراثًا ولكم مئة هوية اثنية، فالأفضل والأسلم والأنسب لكم العودة لبلدانكم أو عودوا إلى بيروبيجان في روسيا أو أقيموا جزيرة في البحر الأبيض المتوسط أو أي بحر ومحيط تريدون. هنا لا مستقبل لكم إن واصلتم رفض خيار السلام.