تؤلم المناضل الوطني طعنات محترفي الغدر والنفاق والدجل السياسي، لكنها لن تجبره على التراجع والالتفات للخلف، فهذه اللحظة لن يمنحها لمتربص، خطط وحشد وعمل  للانقضاض، ليس لوضع حد لحياته وحسب، بل لإلغاء وجود الشعب الذي ينتمي إليه، ومستقبله على أرض الوطن، فالمناضل الوطني الذي أدى قسم الإخلاص لفلسطين، لا ينشغل بفتح معارك ثانوية، رغم آلامه من جراح ظهره النازف، ظهره الذي افترض -بحسن النوايا-  أنه محمي ومؤمن، وإن الاختلاف والتنوع في الجبهة الداخلية مصدر قوة، وليس سببًا لإضعافها، وثغرات يستغلها أعداء فلسطين الوطن والأرض والشعب والهوية للاختراق، وتعزيز الحصار، واستكمال هدف القضاء على مقومات الوطنية، وفكرة ومبادئ الحرية والتحرر، وسيادة القرار الوطني، بعد إشاعة أجواء الإحباط، وتكثيف الحملات الباعثة على الإحباط واليأس والتشكيك، والتخوين والتكفير، والاتهامات بالعمالة والخيانة، وصولاً إلى مرحلة إسقاط أحجار الدومينو التي تبدأ بالنظام السياسي، لتأخذ معها سريعا السقوط الثقافي وما يتبعه من أخلاقي واجتماعي فاقتصادي، فيفرح الذين في نفوسهم مرض الاستحواذ على السلطة بأي ثمن، لكنهم لن يجدوا سوى مخرج واحد، وممر الذل الإجباري تحت أمر المحتل المستعمر! وحينها لن تنفعه صحوته، إذا ارتقت روح المناضل الوطني، فيما جبهته تحكي رواية صموده وبطولته، وإيمانه وعمله، وفعله الإبداعي، وعقلانيته ورؤيته الواقعية، التي ما أراد منها سوى حماية الشعب ومقدراته واستقرار، لضمان مستقبله على أرض وطنه، وسيندم –إن نفعه الندم– ولكن بعد فوات الأوان!


ليست المشكلة فيما يقول هؤلاء، وإنما فيما يمثلون، وفي الصورة التي يقدمون فيها أنفسهم للجماهير في الوطن، للناس في الدوائر الأوسع، وكذلك في جملة لتناقضات التي عجنوا منها شخصيتهم السياسية، وعرضوها في تشكيلات وتكوينات مستحدثة، تكاد تكون تشبه اللوحات التجريدية، السائدة في محاولة للطغيان على المدرسة الواقعية، فأصحاب هذه المدرسة يفسرون الأمور كما يشاءون، وبالأصح كما يحب الجمهور أن يسمع، في مكان ما! أو زمان ما! أو في بيئة ما! يغلبهم ظنهم أن الجماهير لا تعلم، أو إذا علمت فإنها تنسى بسرعة، إلا إذا حاول هؤلاء التذاكي على الجمهور بحسن اختيارهم مفردات خطابهم، وينسون أن أشعة الشمس لا تغطى بغربال، ومثل هؤلاء الذي قفز إلى (حضن أوسلو) وحظي بمتعة ودفء النيابة في المجلس التشريعي للسلطة الوطنية الفلسطينية، الذي كان تشكيله ضمن بنود (اتفاق أوسلو) ليس هذا وحسب، بل إنه رشح نفسه لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية سنة 2005، وحظي برتبة وزير في حكومة 2007، أما اليوم - وبعد اعلان رئيس حكومة منظومة  الاحتلال والاستيطان العنصرية بنيامين نتنياهو مسؤوليته المباشرة عن اغتيال (أوسلو) الموقرة بمنافعها ومكاسبها في حياتها، والملعونة بنظره طبعا- بعد قبرها، فإنه ينادي "بمحاسبة كل من شارك في أوسلو المشؤوم"!! والسؤال المنطقي الآن: وماذا عن الذين كرسوا (أوسلو) ومخرجاتها عمليًا وماديًا؟! ألا يجب محاسبتهم ؟!

نعتقد أن الإجابة بلى، يجب محاسبة من ظن أوسلو فرصة لركوب صهوة السلطة، ومن ظنها الحالة النهائية وصاغ القوانين على مقاس أطماعه ونفوذه، أما المناضل الوطني الذي قرر إنشاء سلطة وطنية فلسطينية على أي أرض فلسطينية يتم تحريرها واسترجاعها، وكان ذلك قبل عشرين سنة من اتفاق أوسلو، والذي عمل أن تكون مرحلة انتقالية لاستكمال عملية التحرر والاستقلال، وفرصة لتكوين نواة دولة فلسطينية ديمقراطية تقدمية، بمؤسسات سياسية وثقافية وتعليمية وصحية واقتصادية وأمنية، فإننا نتطلع لأن يقدم كشف حساب واضح وصريح بالأرقام، يضع النقاط على الحروف، مبينًا الأمور بمسمياتها، وأسماء الذين تعاملوا مع المشروع الوطني بمنظور الحشد الكمي حول أسمائهم، وغفلوا عن الأصل، أي التنظيم النوعي لقدرات وقوى الجماهير، أما المناضل الوطني فقد عمل على تعميق ركائز المشروع الوطني، ولم يغفل عن متطلبات تثبيت جذور الإنسان الفلسطيني التاريخية والطبيعية وتقويتها  لتكون عصية على الاقتلاع والاجتثاث.. وقوية في النمو والعطاء، أما ساسة المنظومة الإرهابيون (أعداء السلام) الذين اغتالوا أوسلو، التي ظنوا بسقوطها تلقائيا بعد دوسها بجنازير دباباتهم، فقد علموا وأدركوا، أن المناضل الوطني القائد يعول على إيمان الشعب بحقه، ووعيه، وبثقته بنفسه، وبقدرته على انتزاع الحرية مهما طال الزمن، ومهما كانت الصعوبات التي لابد من اجتيازها، لتمكين الشعب بلوغ النصر.