لا حدود لقيمة الانسان وقداسة نفسه وروحه،  ولا تمييز بين مظلوم وآخر في هذا العالم، أما ما يحدث، ويراه العالم مباشرة، فإننا نعتقد أن قواميس لغات الشعوب والأمم لم تسجل في فصولها وأبوابها المصطلحات  التي قد يستنجد بها الإنسان الحر، لتنسجم مع ضميره الحي، لوصف الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، فما يحدث يدور في فلك يبعد في جوف التاريخ، ويبلغ قاع الطبيعة الوحشية للكائنات المفترسة، بما فيها صنف بشري متوحش مازال بعضه يعيش في بعض ادغال العالم، حيث لا يستطيع هؤلاء رؤية آدمي من غير قبيلتهم دون الاقدام على قتله فورا، ولا يتعلق الأمر بطبيعة الافتراس المتأصلة، وإنما بقتل الآخر بقصد منع المنافسة على الحيز الطبيعي، فالمفترس يقتل ليأكل، أما في العصر الحديث والقرن الحالي ( الواحد والعشرين ) وليس كما كان قبل العصر الحجري، فقد ثبت أنه صنف المفترسات باتت وراءه بمسافة بعيدة، فالحروب والمجازر المصبوغة بمسميات عديدة منها الدينية المقدسة، ومنها العصبية العرقية، ومنها الفئوية القبلية الطائفية في زماننا دليل قاطع، وبرهان على أن ابحاث العلماء حول مكانة البشرفي قائمة المفترسات مازالت قاصرة، ومحصورة بتعريف المفترسات بأنها تقتل لتأكل، بينما الآدمي المسير بقوة دفع تعاليم قدست قتل الآخر، وجعلت قتل النفس الأخرى المغايرة بمثابة سبيل مفتوحة نحو الخلود في العالم الآخر !!

وإذا اردنا معرفة الأسباب فليس لنا إلا النظر برؤية متحررة من التعصب النظري الفكري والديني  والسياسي، لنكتشف حجم العدائية المطلقة للآخر المدسوسة بنظام مركب في كتب مفاهيم تعاليم، ألفها بشر اجتاحتهم الرغبة بالتسلط على الناس، وجعل من سفك دماء الآخرين سبيلا وحيدا لذلك، وبنظرة سريعة سيجد القارئ بعقله وبصيرته التقاء هؤلاء على هذه النقطة، رغم توزعهم على جبهات، يحاربون بعضهم البعض بأشد انواع السلاح فتكا، ولا نقصد هنا سلاح الفولاذ والنار والتدمير وحسب، بل سلاح اغتصاب العقل الانساني، وسلاح تجريد الانسان من انسانيته التي فطر عليها، والأفظع من كل ما سبق، المحاولات المكثفة  والحثيثة لإقناع اتباعهم بأن السلام مع الآخر جريمة بحق الله خالق الناس، وفاطرهم على السلام والرحمة والمحبة !. 


نفترض أن الدماء المسفوكة في شوارع جهات الأرض عمومًا، وفي مركز الأرض المقدسة فلسطين تحديدًا، يجب أن تكون العامل الأقوى لدفع الناس للتحرر من سلطان وسطوة ودعوات وتعاليم المشتغلين على أسقاط  العالم الإنساني في جحيم العدائية المطلقة، جحيم يبدو أمامه قانون الغابة، وطبع المفترسات فيها عالمًا عادلاً، فالانتقام مثلاً ليس في دستور المخلوقات في البرية وفي الماء، على تنوع مكانها في رأس الهرم الغذائي وحتى قاعدته، لكنها جميعا تتمتع بما يكفيها للدفاع عن نفسها وحماية جودها وسلالتها، ورغم أن في نظامها ما يكفي من العبرة، فإن نموذج نظام بني آدم الانساني، المحكوم بالعقل والفكر، والتفكير والإدراك، والمعرفة والعلم والتعلم، والرؤى النقية الطاهرة المطهرة من شوائب العدائية، لقادر- حسب ثورة العلوم الحالية - على أحداث تغيير جوهري في القانون المسمى "قانون الغابة" مع الحفاظ على توازن الطبيعة وسلامة مجتمع كل نوع على الأرض، لكن أنى له تحقيق ذلك قبل تحقيق العدالة في مجتمع بني آدم الانساني، فالتقدم والتطور التكنولوجي،  وبلوغ إعجاز ما في مسارات علمية، لا يعني بالضرورة الوصول لصرح الانسانية الموجود كيانه المادي الروحي أصلاً في الكتب السماوية، والفلسفات، والأفكار، والنظريات العلمية، الناظمة للتوازن بمعيار العدل والمساواة والحرية في حياة المجتمعات الانسانية،  وليس باتباع نظام وقانون الطبيعة أي "افتراس القوي للضعيف" ولا بالهبوط بالإنسان إلى منحى الاستمتاع بالقتل، والشعور بالفخر عندما يغتال السلام، ولا يعود عن استكباره إلا بعد تحول الحياة إلى رماد، ويسود قانون ونظام الموت بنيران العدائية على الأرض.