عامل الوحدة الوطنية أحد أهم الروافع لتعزيز الجبهة الداخلية من حيث الآتي: رفد الشراكة بين القوى السياسية والاقتصادية والمجتمعية والثقافية التربوية بقوة إضافية؛ تكريس التعددية والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير؛ تمتين العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين على أسس ديمقراطية عميقة؛ الحد من سطوة السلطة التنفيذية، وتعظيم السلطة التشريعية والقانونية؛ الفصل بين السلطات؛ مواجهة التحديات كافة السياسية والاجتماعية؛ تقليل حجم الخسائر، وزيادة نسبة الأرباح الوطنية؛ تقوية ومضاعفة الامن القومي الداخلي والخارجي؛ رفع وارتقاء مكانة المواطنة، وطمس ونبديد مظاهر العشائرية والقبلية والجهوية والدينية؛ والحد من الظواهر التخريبية المعطلة لتطور وارتقاء المجتمع.


وفي الأزمات حروبًا وطنية أو أهلية أو دينية تزداد الحاجة إلى الوحدة الوطنية لأهميتها في تحجيم وتقليص الهوة بين القوى الاجتماعية، وتعرية القوى المتورطة في اشعال الفتن الدينية، ومضاعفة قوة الشعب في الصراعات القومية والإقليمية، وتعزيز قدرة القيادة السياسية في معالجة الأزمات بما يخدم المصالح العليا للشعب والأرض والدولة والنظام السياسي، والحد من حملات التحريض والتخوين والتكفير، وشل نزعات الفلتان الأمني، ولجمها، وحصرها في أضيق نطاق، والاعلاء من دور القانون والنظام في الأوطان.


وإذا انتقلنا للواقع الفلسطيني، ونظرنا لاشتراطاته الجيوسياسية، وصراعه القومي الدامي مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، والتعقيدات المحيطة بمنظمة التحرير ونظامها السياسي، والاخطار التي تتهدد قضيته الوطنية، قضية العرب المركزية، فإننا نجزم أن أحد أهداف الأعداء القوميين الصهيو اميركيين وادواتهم الفلسطينية والعربية، هو تفتيت الوحدة الوطنية، وإضعاف وتهميش القضية الفلسطينية، وتشويه صورة كفاحه التحرري، وتصفية الأهداف والمصالح الوطنية العليا، وعزل الشعب عن محيطه العربي والإقليمي والدولي.


لذا كانت قيادة منظمة التحرير وفصائلها الوطنية ونخبها السياسية والثقافية تؤكد باستمرار على تعزيز وتمتين أواصر الوحدة الوطنية. لانها تحمل بعدين أساسيين في معادلة الصراع مع العدو الصهيو أميركي، الأول يتمثل في أنها أداة ورافعة مركزية للكفاح التحرري؛ الثاني هي هدف بحد ذاتها. لأن غيابها أو ضعفها يساعد أعداء الداخل والخارج في الانقضاض على الشعب وأهدافه السياسية والقانونية. ولهذا لا يجوز تحت أي ذريعة السماح بتمزيق وحدة الشعب، والإساءة لوحدانية وشرعية منظمة التحرير، أو تشويه صورة النظام السياسي الفلسطيني، أو التمهيد لسياسة العبث باستقلال دولته الوطنية وعاصمتها القدس، والسماح للآخرين بامتهان حق تقرير مصيره والعودة للشعب، وبالتالي كل مظهر من مظاهر الفتنة والانقسام والانقلاب على الوحدة الوطنية مرفوض، ومدان، وتملي الضرورة التصدي له فورًا وبقوة وبحكمة وبمرونة مسؤولة، لاخراج الشعب والنظام من اتون الفوضى والفلتان بأقل الخسائر.


في حرب الدفاع عن النفس الوطنية الدائرة الجارية الآن على قطاع غزة خصوصًا وفلسطين عمومًا من السابع من أكتوبر الحالي والمتواصلة بهمجية وفاشية صهيو أميركية منفلتة من عقال القانون الدولي والمعاهدات الأممية وحقوق الإنسان تحركت قوى الظلام والتخريب المختلفة بأوامر من سادتها المحليين والإقليميين والدوليين، وتحت غطاء الشعارات التضليلية الكاذبة، واندست وسط المظاهرات الشعبية الداعمة لأبناء جلدتنا في الجناح الجنوبي من الوطن، وسعوا لحرف بوصلة المظاهرات الداعمة للوحدة الوطنية الميدانية، وتوجيهها صوب الداخل لتعميق الصراع الداخلي، وتعميم الفوضى والفلتان الأمني من خلال الشعارات الهدامة التي اطلقوها، واطلاق الرصاص على مراكز اجهزة الشرطة، والقوى الشرطية التي تحمي المظاهرات، وقامت بتحطيم عدد من المحال التجارية، وتكسير الصرافات الالية لسرقتها .. الخ من الجرائم المخلة بابسط معايير النظام في محافظة رام الله والبيرة وغيرها من المدن الفلسطينية.


وللأسف انخرطت فيها بعض القوى السياسية الوطنية تحت ضغط ردود الفعل العاطفية، مما كاد ان يضعف صورة الوحدة الوطنية، ويورط الشعب في مستنقع جهنمي خطير في المحافظات الشمالية، ويخدم اهداف ومخططات العدو الإسرائيلي الأميركي ومن لف لفه. مما دفع منتسبي جهاز الشرطة للتعامل مع الظاهرة التخريبية بخشونة نسبية لضبط النظام، وقطع الطريق على المخطط المعادي، الامر الذي ترك التباسًا وضبابية في أوساط الشارع الوطني حول ما جرى بما في ذلك من داخل أوساط مؤسسات النظام السياسي، التي لم تتفهم رد فعل الأجهزة.


بالنتيجة تحتم الضرورة على الحكومة وأجهزتها الأمنية العمل على الآتي: أولاً الانتباه الشديد لحماية وحدة الصف الوطني؛ ثانيًا حماية حق التعبير وحرية الرأي والرأي الاخر والتظاهر والاعتصام والاضراب للجماهير الشعبية ونقاباتها واتحاداتها الشعبية؛ ثالثًا عدم الانجرار لمتاهة قوى الفوضى والتخريب، والعمل على وأد خيارهم الفتنوي بهدوء ودون ضجيج؛ رابعًا عدم السماح لكائن من كان تهديد الامن والسلم الأهلي، أو تشويه مكانة الوحدة الوطنية؛ خامسًا ملاحقة القوى المتربصة بالمشروع الوطني والنظام السياسي قانونيًا وقضائيًا؛ سادسًا فتح حوار معمق مع الفئات والشرائح الوطنية المضللة لترشيدها، ولفت نظرها لاخطار الفتنة الداخلية من قبل جهات الاختصاص؛ سابعًا سحب الأسلحة من القوى العبثية بغض النظر عن انتمائهم او خلفيتهم التنظيمية والسياسية، واي كانت شعاراتهم الغوغائية التي يطلقونها؛ ثامنًا اتخاذ ما يلزم من الإجراءات العقابية في حال حدوث تجاوزات من قبل أجهزة الامن الفلسطينية؛ تاسعًا إعمال سياسة الحكمة الأمنية والقانونية والسياسية الثقافية لقطع الطريق على عمليات التخريب داخل حدود النظام السياسي؛ عاشرًا تكريس وتعزيز الوحدة الميدانية، والعمل على رص الصفوف الوطنية، والتكامل بين أشكال النضال في جناحي الوطن، والعمل صفًا واحدًا تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني.