انتخابات السباق الرئاسي التركية الأهم ستجري وفق مرسوم الرئيس رجب طيب اردوغان الموقع في العاشر من آذار / مارس الماضي في يوم الأحد الموافق 14 أيار / مايو القادم، أي تقريبًا بعد شهر من الآن، حيث سيتلاقى فيها زعيم حزب التنمية والعدالة المتربع على عرش السلطة منذ 21 عامًا خلت وائتلافه الموالي مع زعيم المعارضة السداسية، كمال كليجدار اوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري. الذي تردد في الجولتين الانتخابيتين السابقتين 2014 و2018 في خوض غمار المواجهة آنذاك، بيد أنه هذه الجولة سعى إليها بحماس شديد طامحًا أن يطيح بالرئيس أردوغان. لا سيما وأن شروط المواجهة وفق تقديراته باتت ملائمة لجهة جملة من العوامل، منها تراجع شعبية زعيم الموالاة، ونتاج الأزمة الاقتصادية وزيادة التضخم، وانخفاض قيمة الليرة التركية، وبالتالي انخفاض مستوى المعيشة، وبسبب الإدارة المرتبكة لنتائج الزلزال المدمر الذي حدث في السادس من شباط / فبراير الماضي، والآثار الكارثية التي نجمت عنه على الصعد المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية، أضف إلى أن نتائج الانتخابات البلدية عام 2019 شكلت رافعة مهمة للمعارضة بفوزها في أكثر من بلدية وخاصة في أهم معقلين لحزب التنمية والعدالة، وهما اسطنبول وأنقرة. 

وعليه تمتاز هذه الانتخابات عما سبقها، كونها تأتي في خضم تحولات داخلية وإقليمية ودولية، وجملة الازمات التي تورطت فيها تركيا خلال العقدين الماضيين مع العديد من دول الإقليم، بالإضافة لاحتدام التناقضات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية؛ ونتاج الاستقطاب القوي بين الطرفين، اللذان يحملان توجهات فكرية سياسية واقتصادية متناقضة، فالموالاة بقيادة أردوغان تقوم على ركيزتي الاخوان المسلمين والطورانية، في حين المعارضة بزعامة كليجدار اوغلو تقوم على ركيزة الفكرة الأتاتوركية العلمانية المرتبطة بالمنظومة الرأسمالية الغربية وخاصة أميركا... إلخ 

ومع ذلك، فإن الرئيس اردوغان وائتلافه المكون من خمسة أحزاب، هي حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الحركة القومية اليميني المحافظ، وحزب الوحدة الكبرى، وحزب "الرفاة من جديد" الإسلامي، وريث الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، مؤسس حركة "النظرة الوطنية"، وحزب هدى بار الذي يضم شريحة من المتدينين الاكراد. يعتقدون انهم الأقوى في المنافسة لاكثر من سبب، منها، أولاً استطلاعات الرأي مازالت حتى الآن تمنحهم الأغلبية النسبية، حيث تتراوح نسبة التأييد فوق ال40%؛ ثانيًا كما أن الحاضنة الشعبية للحزب الحاكم مازالت قوية ومتماسكة نسبيًا؛ ثالثًا تجربته خلال العقدين الماضيين في خوض الانتخابات، وتنظيم الحملات الانتخابية، والنفوذ الذي يتمتع به في المنابر الإعلامية، والكاريزما القيادية التي يتمتع بها، جميع هذه العوامل يفترض زعيم التنمية والعدالة تمكنه من تجاوز نقاط الضعف.

وعلى صعيد المعارضة التي توافقت على تبني ترشيح كمال كليجدار اوغلو يوم الاثنين الموافق السادس من اذار / مارس الماضي منافسًا باسمها جميعًا في مواجهة أردوغان، الذي تتمثل قوة زعيمها بالتالي: أولاً تمكن من توحيد صفوف حزبه؛ ثانيًا الاستناد إلى تحالف واسع من قوى وأحزاب متعددة الاتجاهات والمشارب؛ تمكنه من تأمين أصوات من خارج تحالفه السداسي؛ ثالثًا عدم تورطه باية عناوين من الفساد، وتميزه بنظافة الكف؛ رابعًا تمثله إرث مؤسس الدولة التركية الحديثة أتاتورك؛ خامسًا انتهاجه سياسة الاعتدال والانفتاح على المجتمع بمختلف اطيافه، متجاوزًا الأيديولوجية الكمالية، التي يعتقد انها شاخت، وباتت بحاجة إلى تطوير ونفض الغبار عنها. 

هذا وتقوم قاعدة تحالف كليجدار اوغلو على تحالف الأمة، المكون من حزب الشعب الجمهوري، وحزب الجيد، وحزب السعادة، والحزب الديمقراطي، وحزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم. وعلى أهمية هذه العوامل والقاعدة الحزبية والسياسية الواسعة، إلا أن زعيم المعارضة يواجه بعض الصعوبات والنواقص، أو لنقل نقاط ضعف، منها، نقص أو انعدام أن جاز التعبير التجربة القيادية، وعدم تمتعه بالكاريزما، التي يتمتع بها خصمه المخضرم في الحكم والممارسة؛ إمكانية تعرض تحالفه للانقسام في كل لحظة ومنعطف سياسي تواجهه البلاد والنظام السياسي، وارتكازه على الولايات المتحدة، لم تعد تعتبر نقطة قوة، بل العكس صحيح باتت عبئًا عليه في ظل التحولات الدولية والإقليمية الجارية. 

إذاً المعركة الانتخابية القادمة ستكون معركة طحن سياسية لاي من الزعيمين بما يملكانه من نقاط قوة أو ضعف. وأي خاسر منهما، ستكون نهايته السياسية والحزبية، واسدال الستار على تاريحه في المشهد التركي. وعلى المراقبين جميعًا الانتظار وترقب المفاجآت التي يمكن أن تحدث من الآن حتى يوم الانتخابات في ال14 أيار / مايو القادم لما لها من آثار إيجابية أو سلبية على أي منهمًا.