زهران معالي

الوسيلة: الحرق، وأداة الجريمة مواد سريعة الاشتعال، والفاعل مستوطنون يتسللون تحت جنح الظلام من أعلى التلال بنية القتل؛ إلى منازل الفلسطينيين بالبلدات والقرى القريبة من المستوطنات، فيما يلعب الجلاد دور القاضي بعد انتهاء الجريمة، ممثلا بدورية شرطة احتلال تحضر لمكان الجريمة وتكتفي بتوثيق رواية الشهود.

أكثر من ألفي اعتداء بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم ارتكبها المستوطنون منذ بداية العام الجاري، في ارتفاع ملحوظ بحجم الاعتداءات مقارنة بالسنوات السابقة، تركزت حدتها بمناطق الخليل ونابلس، وفق احصائيات رسمية فلسطينية.

جنوب نابلس خير شاهد على تفاصيل جرائم المستوطنين واعتداءاتهم، ونقطة خطر دائمة في معركة الصراع بين أصحاب الأرض وعصابات المستوطنين؛ نظرا لإحاطتها بمجموعة كبيرة من مستوطنات يسكنها مستوطنون معروفون بشدة تطرفهم، وينتمون لجماعات إرهابية معروفة بجرائمها كعصابات "تدفيع الثمن"، و"شبيبة التلال".

تلك العصابات كانت مسؤولة عن التخطيط والتنفيذ لمئات الاعتداءات بحق أهالي المنطقة، أبرزها جريمة دعس مستوطن للشقيقين مهند ومحمد مطير قرب حاجز زعترة ما أدى لاستشهادهما قبل عشرة أيام، وإحراق عائلة دوابشة عام 2015، وقتل المواطنة عائشة الرابي عبر إلقاء الحجارة على مركبة عائلتها، وفق مراقبين لشؤون الاستيطان.

تشير إحصاءات رسمية، إلى أن بلدات وقرى (حوارة، وبورين، وعوريف، وعصيرة القبلية، ومادما، وعينابوس)، أكثر المناطق تعرضا لتلك الاعتداءات، ومصدرها مستوطنة "يتسهار"  المقامة على أراضي تلك البلدات.

تتوزع اعتداءات المستوطنين في المنطقة بين حرق وتقطيع للأشجار في النهار، والتسلل في عتمة الليل لخط شعارات عنصرية وحرق المركبات وتحطيم نوافذ المنازل في القرى والبلدات، إضافة لإلقاء الحجارة على المركبات المارة على الطريق الواصل بين طولكرم ونابلس، والمعروف بشارع "يتسهار".

في المنطقة الجنوبية من قرية بورين، كانت الساعة قرابة الساعة الواحدة فجرا، عندما استفاق المواطن أحمد الهندي على حركة مريبة حول منزله القريب من الشارع الالتفافي، فأسرع لتحريك مركبته المتوقفة أمام المنزل لمنطقة آمنة، إلا أن "حجارة المستوطنين كانت كالمطر على المنزل"، وفق قوله.

ويضيف الهندي لـ"وفا"، أنه لم يتمكن من الخروج من المنزل، واضطر للاحتماء وعائلته بغرفة واحد، بينما كان يشاهد المستوطنين يسكبون مواد سريعة الاشتعال على مركبتيه المتوقفتين أمام المنزل، قائلا: "أحرقوا مصدر رزق عائلتي أمام نظرنا".

وعلى مدار عشرة دقائق، عاشت عائلة الهندي لحظات رعب وخشية على مصير أبنائها الأربعة وأصغرهم 20 يوما، بعدما تسلل دخان حريق المركبتين إلى داخل المنزل، بينما واصل قرابة عشرين مستوطنا إلقاء الحجارة على المنزل، حتى صد أهالي القرية الهجوم.

ويضيف الهندي: لحظات رعب صعبة، وخوف من أن ألقى وعائلتي مصير عائلة دوابشة كان يحاصرني.

وليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الهندي للاعتداء، فقد حطم المستوطنون ثلاثة مركبات لعائلته في 23 تموز الماضي، ما اضطره لترك عمله في محاجر قباطية بعدما خسر وسيلة نقله، واضطر لشراء "كرافيل" بالأقساط للعمل عليها بنقل العمال إلى المعابر.

ويتابع: "بعدني بأول قسط دافع من السيارة، شيكات اشتريتها وكنت أسعى بأن أسدد ثمنها من عملي عليها، لقد دمروا مصدر رزق أولادي، قرابة 10 آلاف شيقل تحتاج المركبتان لصيانتهما، واللتان احترق فيهما غرفهما الداخلية".

وبالوقت الذي كانت فيه عائلة الهندي تلتقط أنفاسها بعدما صد الأهالي الهجوم، كانت مجموعة أخرى من المستوطنين تنفذ هجوما جديدا على منازل المواطن محفوظ شحادة وأولاده في قرية عوريف المجاورة لقرية بورين.

ويقول شحادة لـ"وفا"، إن زوجته استفاقت لشرب الماء، لكن شدها لهيب النار بجانب  المنزل، فأيقظت زوجها الذي سارع لإطفاء حريق مركبته المتوقفة بساحة المنزل بإطفائية الحريق والتي حالت دون وقوع كارثة لعائلته.

ويضيف: أنه بذات اللحظة التي كان المستوطنون يحرقون مركبتي، كانوا يهاجمون منزل أبنائي القريب بالحجارة، واستيقظ نجلي وزوجته على تناثر الزجاج والحجارة فوق رؤوسهم أثناء نومهم.

ويشير شحادة إلى أن المستوطنين تمكنوا من سكب مادة سريعة الاشتعال على مركبته رغم أن المنزل يحيط به جدار مرتفع، حيث سالت المادة الحارقة إلى بوابة المنزل وأشعل المستوطن النار فيها، ما أدى لاحتراق جزء منها، يقدر تكلفة إصلاحه بخمسة آلاف شيقل.

"منذ أن سكنت المنطقة قبل سبع سنوات، وأنا بنام وأصحى على أعصابي خشية من اعتداء جديد على عائلتي" .. يتابع شحادة.

وتكبد شحادة وعائلته خسائر جمة خلال السنوات السبع الماضية، بعدما أحرق المستوطنون خمسة مركبات وحطموا ثلاثا أخرى للعائلة.

ويحذر مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية غسان دغلس، من تصاعد حدة اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم، التي باتت شبه يومية على المنازل والممتلكات والطرق الرابطة، والتي تزداد حدتها كلما حدثت عملية ضد الاحتلال.

ويشير إلى أن المستوطنين لجأوا لوسائل تهدف لإرهاب الفلسطينيين، بينها حرق المنازل والمركبات وكذلك إخلاء الشوارع الرابطة بين المدن والقرى من الفلسطينيين عبر مهاجمتها بالحجارة، محذرا من تخوفات كبيرة من تكرار جريمة إحراق عائلة دوابشة مع عائلات جديدة.

ويؤكد أن المستوطنين يمارسون اعتداءات بالجملة ضمن مجموعات منظمة تصل أحيانا إلى 50 مستوطنا، واصفا ذلك بـ"الخطير جدا".