تتسع رقعة العنف والاعتداءات الحربية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطيني المحتلة، ما حدا مؤخراً بالإدارة الأميركية أن تطلب من إسرائيل ضبط أوامر إطلاق النار ضد الفلسطينيين وتقييدها، وذلك على إثر نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي تقريره حول حادث اغتيال الشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة. التقرير اعترف ضمنياً بإمكانية القتل الخطأ!، ولكنه لم يحول الملف إلى التحقيق الجنائي، وهو الأمر الذي لا يترتب عليه أية مسؤولية ضد جيش الاحتلال.

وبرغم الطلب الأميركي بتغيير قواعد الاشتباك في الضفة الغربية، ضمن جهود معلنة لتخفيف التوتر وتحقيق الهدوء، إلا أن إسرائيل رفضت هذا الطلب على لسان رئيس حكومتها "لبيد"، ووزير حربه "غانتس"، اللذين أكدا علناً عدم قدرة أي طرف داخلي أو خارجي على أن يملي على جيش الاحتلال قواعد إطلاق النار!.  بالمقابل، استمرت إسرائيل بالتصعيد العسكري في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الشهرين الأخيرين، وأعلنت مؤخراً أنها ستستخدم في عملياتها العسكرية طائرات مسيرة لضرب أهداف محددة في الأراضي المحتلة. ومع هذا القرار، يبدو أن الضفة الغربية أصبحت أشبه بساحة حرب، يحق للجنود الإسرائيليين "قتل العرب حتى وهم هاربون" على حد تعبير الجنرال في جيش الاحتلال الإسرائيلي "أبينوعم أمونة" أثناء لقائه مع كتيبة إسرائيلية!.

يظهر تحليل البيانات الكمية لحجم التصعيد العسكري في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال شهري تموز وآب الماضيين، مقارنة بالشهور الستة السابقة من هذا العام، أن دولة الاحتلال تشن حرباً غير معلنة على الشعب الفلسطيني. فقد ارتفع عدد الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية بالمتوسط خلال فترتي التحليل من 1017 اعتداءً بالمتوسط للأشهر الستة الأولى من العام الجاري إلى 1812 اعتداءً بالمتوسط لشهري تموز وآب من العام نفسه، وذلك بنسبة ارتفاع بلغت 78%. كما ارتفع عدد الشهداء من 13 شهيداً بالمتوسط للأشهر الستة الأولى من العام الجاري إلى 33 شهيداً بالمتوسط لشهري تموز وآب من العام نفسه، وذلك بنسبة زيادة بلغت 153%. وفي السياق نفسه، فقد ارتفع عدد الجرحى الفلسطينيين من 158 جريحاً بالمتوسط للأشهر الستة الأولى من العام الجاري إلى 672 جريحاً بالمتوسط لشهري تموز وآب من العام نفسه، وذلك بنسبة ارتفاع بلغت 325%. كما ارتفع عدد المعتقلين من 183 أسيرا فلسطينيا بالمتوسط للأشهر الستة الأولى من العام الجاري إلى 499 أسيرا بالمتوسط لشهري تموز وآب من العام نفسه، وذلك بنسبة ارتفاع بلغت 172%.

في الواقع، هذا التصعيد العسكري الإسرائيلي غير مسبوق، وهو بمثابة إعلان حرب على الشعب الفلسطيني، كما أن هدفه ليس "أمنيا" بل على العكس، تاريخياً تشير المعطيات إلى أنه كلما زادت العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، ارتفعت وتيرة عمليات المقاومة الفردية والجمعية ضد الاحتلال. في الحقيقة، إن هدف هذا التصعيد هو سياسي بحت، حيث تريد إسرائيل من خلاله إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية وإظهارها أمام شعبها بمظهر العاجز الذي لا يستطيع حمايتهم، في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل من خلال إضعاف السلطة الوطنية إلى تقييد الدور الوظيفي للسلطة الوطنية بسلطات حكم ذاتي محدودة، والحيلولة دون سعيها إلى التحرر والاستقلال. إسرائيل باختصار، تقوم بهذه الحرب غير المعلنة لتخرج من دوامة استحقاقات السلام والضغوط الدولية الممارسة عليها، من خلال إغراق الأراضي الفلسطينية المحتلة في دائرة عنف وفوضى. وذلك بهدف فرض أجنداتها وإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية وتفتيتها إلى كانتونات من أجل تمرير صفقة القرن وفرض سياسة الاحتلال الأبرتهايد على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

المصدر: الحياة الجديدة