لا يجوز أن تحل ذكرى 23 تموز/ يوليو، ذكرى الثورة المصرية البطلة والشجاعة عام 1952، التي أحدثت تحولات استراتيجية في معادلات الصراع في الإقليم، وخلخلت البنى السياسية في الوطن العربي، وشقت طريق النور والبناء وتحرر الإنسان المصري خصوصًا والعربي عموما من الأنظمة البائدة والاستعمار الغربي الرأسمالي أولاً؛ ومن أدوات وركائز تلك الأنظمة ثانيًا؛ وفتح طريق النهوض والتحرر الوطني في ربوع العالم العربي ثالثًا؛ والمساهمة مع الشعوب وقوى حركات التحرر الوطني العربية لنيل حريتها واستقلالها السياسي رابعًا؛ وتعميق وتوسيع دائرة التشارك والتعاضد والتكافل مع قوى التحرر الوطني في القارات الثلاث: أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية خامسًا؛ وخلق وتأسيس المنظمات القارية والأممية حاملة هموم الشعوب المظلومة والخاضعة للاستعمار والأبرتهايد والعبودية، وتشكيل حاضنة لكفاحهم على المستويات المختلفة سادسًا؛ والإسهام الفاعل في دوائر وهياكل الأمم المتحدة للدفاع عن قضايا الشعوب سابعًا؛ واحتضان خاص للقضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة، وخوض غمار الحروب لتحقيق هدف التحرر مع دولة الاستعمار الإسرائيلية ومن يقف وراءها أو معها من دول الإقليم ثامنًا.

كانت الثورة المصرية بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر قبلة المصريين والعرب والأفارقة والآسيويين واللاتينيين الأميركيين وحتى أنصار السلام والعدالة في دول الغرب الرأسمالي، وكانت حليفًا هامًا للاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية. حاولت قيادة الثورة تغيير دفة التاريخ باتجاه بوصلة الشعوب وتحررها، وأحدثت ثورة ثقافية عظيمة، وحاربت الأمية والتخلف والإقطاع السياسي، والأنوية البرجوازية المتورطة مع أنظمة الاستعمار القديم، وهدمت بمعاول وسواعد الفلاحين والفقراء والمسحوقين والعمال جدران الحرمان والظلم، وبنت مؤسسات الدولة الحديثة بمعايير تلك المرحلة، وأعادت بناء مؤسسة الجيش على أسس وطنية وقومية وأممية، وأضاءت شمس الحرية للشعب المصري.

نجحت وفشلت الثورة في المحطات المختلفة من مسيرتها المتواضعة، وجابهت أعداء الداخل والخارج قدر ما استطاعت، ولم تستسلم رغم هيمنة تيارات دخيلة عليها، وارتدادات من بين صفوفها على منجزات الثورة ومعاييرها الوطنية والقومية ومازالت قوى الثورة الناصرية تحمل الراية دفاعا عن الأمة وشعوبها، وفي المقدمة دفاعًا عن شعب مصر وحياضها الوطنية والقومية. ولم تتخلَ المحروسة عن فلسطين وقضيتها وأهداف شعبها، ولا عن دعم وإسناد قيادتها الشرعية، قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وتعمل بثبات من أجل تحقيق قفزة حقيقية في حقل المصالحة، واستعادة الوحدة الوطنية. لا سيما وأن المصالحة الوطنية، وعودة الشرعية لمحافظات الجنوب الفلسطيني يشكل عامل قوة للأمن الوطني المصري، ويضعف قوى التخريب والتكفير والتخوين، ويعزز التكامل الأخوي على الصعد كافة بين الشعبين والقيادتين.

ومع ذلك تملي الضرورة على القيادة المصرية أن تستخدم كل أوراق القوة المتوفرة بيدها، ومنها المبادرة الجزائرية الشقيقة لتدفع بعربة المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية للأمام؛ لأن ذلك يصب مباشرة في تصليب الموقف المصري ويعزز حضوره على المستويين العربي والإقليمي الأوسع.

وبالعودة للثورة الناصرية المجيدة في ذكراها السبعين، أود أن أجدد التأكيد على أن العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه يفتقد الزعيم الخالد جمال في الظروف الراهنة، رغم كل ما أصاب الثورة المصرية من وهن وتراجع في محطات مختلفة، ولكن كانت وستبقى مصر السواعد السمراء، مصر الثقافة والفن، مصر التاريخ والحضارة الفرعونية والعربية الإسلامية، مصر الناصرية والانتصار على العدوان الثلاثي 1956، وأكتوبر 1973، ومصر الفدائيين الأبطال ومنهم مصطفى حافظ وأحمد عبد العزيز وغيرهم آلاف وعشرات الآلاف من أبطال الثورة والجيش والحركة الوطنية المصرية، مصر السد العالي وقناة السويس ومصانع الحديد والصلب، مصر العمران وإزالة العشش وكهربة البلاد، مصر العلم والمعرفة امتدادا للناصرية، وحاملة هموم وقضايا الأمة كلها، وستبقى عيون شعوب الأمة مصوبة نحو النيل الخالد، وشعب المعجزات والتاريخ التليد ليعيد المجد الناصري كما يليق بعظمة وعبقرية مصر. وكل عام والثورة المصرية بخير. والرحمة والسلام لروح جمال عبد الناصر بطل وحبيب الأمة العربية.

 

المصدر: الحياة الجديدة