الفرص يصنعها البشر، ولكن أحياناً تأتي فرص، ولكن على البشر معرفة كيفية استغلالها، ومن يراقب المتغيرات جيدًا يلاحظ انه قد تكون هناك فرصة لحل القضية الفلسطينية، تقارب الـ 40 %، ولو لم تكن هناك مثل تلك الفرصة لما كلف الرئيس الأميركي بايدن عناء أن يعرج على فلسطين ويلتقي سيادة الرئيس محمود عباس ليقول من حق الفلسطينيين ان يكون لهم دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع تبادل أراض بالتوافق. هو جاء لأنه يدرك أن هناك فرصة إذا أراد العرب استغلالها، لكنه أصر على تأجيل الفرصة عندما قال لا حل قريبًا للقضية الفلسطينية، وأن علينا الانتظار لأن التطبيع قد يسهل حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
الفرصة كانت أوضح في مؤتمر جدة، حيث لامسها الزعماء العرب، الذين قالوا بمنتهى الوضوح ألا ترتيبات أمنية وصيغ للتعاون والتطبيع الكامل يمكن أن تحقق أهدافها بدون إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ووجود دولة فلسطينية على حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها وكان ملك الأردن عبد الله أكثر وضوحًا عندما طالب بدعم السلطة الوطنية الفلسطينية وجعل فلسطين الدولة جزءا من المستقبل. ويمكن ملاحظة الفرصة أن الرئيس بايدن، لم يكن قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، يفكر حتى بزيارة الشرق الاوسط، وكانت استراتيجية إدارته تركز على الابتعاد قدر الامكان عن الرمال المتحركة في المنطقة، إلا أن المتغيرات لم تقده للشرق الاوسط وحسب بل وايضا الى زيارة فلسطين ولقاء سيادة الرئيس محمود عباس..
من دون شك أن إسرائيل، ومع الأسف، قد أصبحت لاعبا مهما في الشرق الأوسط، ولكن إذا أدرك العرب أهمية الاوراق التي بين أيديهم، على ضوء تداعيات الحرب في أوكرانيا، والصراع على النفوذ في المنطقة بين واشنطن من جهة وبكين وموسكو من جهة ثانية فإنهم سيدركون أن هناك فرصة اكبر لدفع حل للقضية الفلسطينية. الورقة المهمة للغاية هي ورقة الطاقة، اي النفط والغاز، فالعرب يملكون ما يقارب من 35% من بترول وغاز العالم، وفي اضطراب أسواق الطاقة، واستراتيجية انتقال أوروبا من الاعتماد على الغاز والنفط الروسي، فإن قوة هذه الورقة تضاهي والحالة هذه قوة السلاح النووي.
أما الورقة الثانية، فهي جيوسياسية، تتمثل بالموقع الاستراتيجي للمنطقة العربية، فهي الى جانب وجودها في وسط خارطة العالم، فإنها تسيطر على أهم الممرات البحرية والجوية تجارية كانت أم عسكرية، وهذه الورقة تبرز أهميتها المتجددة مع الصراع بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا. فالدول العربية تسيطر على قناة السويس، التي يمر منها 12 % من التجارة العالمية، وهي نسبة مرتفعة ترجمته ماليا تعادل أكثر من ثلاثة ونصف ترليون دولار، بالاضافة إلى كونها ممرا حيويا لسفن نقل الطاقة، وأهميتها الحاسمة في حال إندلاع صراع عسكري في العالم. فبالإضافة إلى قناة السويس هناك مضيق باب المندب جنوب البحر الاحمر، ومضيق هرمز عند بحر عُمان، وفي أقصى الغرب العربي، هناك مضيق جبل طارق، المدخل الغربي الضيق للبحر الابيض.
كل هذه الأوراق يدور حولها الصراع الدولي المحتدم اليوم، لذلك، فإن هذه اللحظة التاريخية لا تمثل فرصة للقضية الفلسطينية وحسب، وإنما فرصة للتعزيز مكانة العرب على الساحة الدولية بشكل ملموس، خصوصا إذا وحد العرب بالفعل جهودهم وأهدافهم وقبل ذلك أن يروا في هذه اللحظة التاريخية أنها فرصة قد لا تعوض في المدى المنظور. ولو راقبنا من حولنا لرأينا كيف، على سبيل المثال، تقوم تركيا باستغلال موقعها الجيوسياسي ببراعة، فمنذ اندلاع الحرب الاوكرانية، رأت أنقرة أن طرفي الصراع بحاجة ماسة لها فهي المسيطرة على الممرات المائية التي تربط البحر الاسود بالأبيض، وبالتالي بالعالم، وهي تحاول جني ثمار اللحظة بقدر ما تستطيع. وحتى إسرائيل تعمل على مدار الساعة لتضع نفسها كقوة إقليمية، والوكيل الاهم لحماية المصالح الأميركية.
إن لدى العرب، إن أرادوا، إمكانية حقيقية لتغيير قواعد اللعبة في الشرق الوسط، وأن يستعيدوا ما فقدوه من مكانة في في العقود الأخيرة. إننا نعيش بداية مرحلة جديدة للصراع الدولي التي قد تطول وتستمر لأكثر من عقد وبشكل محموم وقد يتطور الصراع إلى حروب مدمرة، وخلال ذلك ستكون منطقة الشرق الاوسط وما بين أيدي العرب من أوراق في غاية الأهمية لكافة المتصارعين، لذلك علينا كعرب وفلسطينيين أن ندرك أن لدينا فرصة كبيرة جدًّا لتغيير واقعنا إذا ما أحسنّا استخدام أوراقنا القوية، وعلينا أن نضع نحن كفلسطينيين معادلة أمام أشقائنا العرب، نعمل نحن وهم على تحقيقها بأن نقول لهم لديكم اليوم فرصة ثمينة لتعزيز مكانتكم الدولية ولكن هل يكون للعرب مكانة حقيقية بدون حل القضية الفلسطينية بدون أن تكون للشعب الفلسطيني دولة حرة مستقلة.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها