نعتقد بأن نتائج زيارة رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن للمنطقة وما سيتمخض عنها ستجعل الوضع الراهن خلف ظهر الشعب الفلسطيني وقيادته التي حققت اعجازًا في الصبر والعمل بمصداقية لا محدودة مع المجتمع الدولي، والتزامًا بقرارات الشرعية الدولية، والاتفاقيات التي رعتها الادارة الأميركية والدول الكبرى والاتحاد الأوروبي.
وسيتعين على الادارة الأميركية تحمل تبعات مضينا في أحد السبيلين حيث لا ثالث أمامنا، فإما انطلاقة جديدة في درب السلام المرسوم في القرارات الأممية، والبدء بخطوات عملية لتنفيذها والضغط على دولة الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري (إسرائيل) باعتبارها الطرف الخارج على الشرعية الدولية وقراراتها وحتى قوانينها ومواثيقها، أو أن الدرب الآخر سيكون خارج توقعات الخبراء والمحللين الاستراتيجيين لدى منظومة الاحتلال الإسرائيلي، ولدى مسانديها ومؤيديها والعاملين على تطويقها بأسوار تطبيع رسمي عربي لتوفير الحماية لها على حساب الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني، وأمنه واستقلاله وسيادته، وحقه في قيام دولته على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. فنتائج زيارة بايدن العملية المرتقبة وليس النظرية التي تطرح في التصريحات الصحفية والبيانات كالعادة، قد تكون صمام أمان، لكن تمكين منظومة الاحتلال والفصل العنصري إسرائيل من الافلات، وتسخيف واحتقار الضغوط الشعبية في الولايات المتحدة وأوروبا المتوالية عليها، وتنامي التأييد العالمي والفهم للحق الفلسطيني، وتصاعد وتيرة المقاومة الشعبية في فلسطين، وصلابة مواقف القيادة الفلسطينية التي لخصها وأعلنها الرئيس محمود عباس ابو مازن بقوله: "القدس ليست للبيع" سيجعل من المستحيل على قوة في العالم اقناع رئيس الشعب الفلسطيني وقيادة حركة تحرره الوطنية، بتحمل مزيد من ضغط القهر والظلم والتنكر النازل على الشعب الفلسطيني من سلطة احتلال استعمارية عنصرية، ودولة إرهاب منظم، تعتمد وسائل القتل والتدمير والتهجير والتطهير والتشريد في نهج تعاملها مع الشعب الفلسطيني صاحب الأرض منذ فجر التاريخ، فالواقع خطير جدًا، وليس أمام الادارة الأميركية التي هي صاحبة القرار الأول والأخير في شؤون ومصير منظومة الاحتلال إسرائيل إلا الاصغاء بتمعن، والنظر بجدية لعناصر القوة المتجددة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني، التي اكتسبها خلال عقود وأجيال من الكفاح والنضال، ذلك أن الاستجابة لصوت العقل والواقعية السياسية والحكمة لدى قيادة الشعب الفلسطيني، والإقرار بحقوقه واقلها المعلنة في قرارات الشرعية الدولية البالغة أكثر من سبعمائة قرار، ستمنح المنطقة فرصة استقرار ونهوض وازدهار في ظل سلام يرضى عنه الشعب الفلسطيني ويحقق طموحاته في الحرية والاستقلال.
ربما تعلم الادارة الأميركية اليوم أن الشعب الفلسطيني ما كان له في يوم من الأيام السقوط في دائرة اليأس، أو مجرد التفكير فيه، فهذا ليس من شيم قيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية التي قادت ومازالت تقود الجماهير بمنهج نضال وطني شعبي مرجعيته مبادئ وأهداف وقيم انسانية مشروعة أولها الحرية والتحرر والتقدم والاستقلال والسيادة في دولة ديمقراطية، وتطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الشرعية الدولية، فالشعب الفلسطيني ليس جماعة عرقية أو اثنية، ولا تشكيلاً مسلحًا يلجأ للعنف والإرهاب والانتحار نتيجة اليأس أو الهزيمة، فلهذا الشعب قيادة وطنية، توارثت منهج النضال الوطني وطورته حتى باتت حركة التحرر الفلسطينية رمزًا لحركات التحرر في العالم، ومازالت حتى اليوم معيارًا للمؤمنين بالتحرر من الاستعمار والاحتلال والعنصرية والظلم، ولعل نظرة سريعة من المسؤولين الأميركيين على حراك الشارع الأميركي والشعارات التي يحملها وينادي بها الجمهور الأميركي المؤيد لفلسطيني، والمطالب برفع الظلم وإحقاق العدالة الدولية، سيدرك هؤلاء المسؤولون أن الشعب الفلسطيني لم يكن معزولاً ولن يكون، فالعالم بات على يقين بحقوقه، وأن (إسرائيل) قد تخطت بكثير وتجاوزت عنصرية نظام جنوب أفريقيا، وأنها آخر أشكال الاحتلال والاستيطان المرتكز على تشريد وتهجير وقتل الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين... ويبقى أن تعلم الادارة الأميركية أننا لا نطلب أن تمنحنا أو تمن علينا، وإنما الضغط على وكيلها في المنطقة للخضوع لمنطق السلام، والتسليم بحق لنا اقرته الشرعية الدولية، لإيقاف دوامة سفك الدماء التي لم نطلبها في ماضينا ولا في حاضرنا، لا نتمناها لجيلنا ولا لأطفالنا من بعدنا، فنحن صناع سلام، ولكن ليس على حساب حريتنا وكرامتنا وعزتنا وقدسنا.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها