ونحن نستحضر ذكرى رحيل الشهيد القائد البطل عبد القادر الحسيني، ومجزرة دير ياسين قبل 74 عامًا، نشهد هذه الأيام دورة جديدة من الإرهاب الصهيوني الدولاني على كل الأرض الفلسطينية، وفي المقدمة منها محافظة ومدينة ومخيم جنين الباسلة، التي تتعرض لحملة عدوانية همجية شرسة لتركيع أبنائها، وابتزازهم بأساليب رخيصة ومفضوحة، أثبتت فشلها في قطاع غزة، وفي مختلف المحافظات والمدن والقرى والمخيمات، ولم تفت في عضد أبناء الشعب الفلسطيني، لا بل زادتهم تصميمًا وإصرارًا على نيل حقوقهم السياسية والقانونية والإنسانية.

وتؤكد لنا تجارب التاريخ القريب والبعيد، أن قادة دولة التطهير العرقي الإسرائيلية السياسية والعسكرية الأمنية لم يتعلموا شيئًا نتاج غطرسة القوة، وجنون العنصرية، وصمت العالم الرأسمالي، وانكفاء وتخلي أهل النظام الرسمي العربي عن محددات وركائز الأمن القومي العربي، فأعمتهم عن رؤية الحقائق والدروس وعبر تلك التجارب، وتناست تجربتها باجتياح مخيم جنين ومحاصرة المدينة العملاقة قبل عشرين عامًا، وسلسلة جرائمها المتعاقبة على ذات المحافظة وقراها قرية قرية وبلدة بلدة ومركز المدينة النابض بالحياة والإرادة والتصميم على انتزاع الحقوق الوطنية، وعادت لاستخدام اسطوانتها المشروخة وأدواتها وإجراءاتها الرخيصة في فرض الحصار عليها من خلال مجموعة من الانتهاكات التي صادق عليها وزير الموت الإسرائيلي، بيني غانتس مساء السبت الماضي ومنها: منع أبناء الشعب من الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة من زيارة جنين؛ وإغلاق معبري الجلمة (جلبوع) وبرطعة؛ إغلاق دائرة الاتصالات الخلوية مع الشبكات الإسرائيلية أو عبرها؛ منع المواطنين من جنين بمختلف مواقعهم الاجتماعية من دخول إسرائيل، إلغاء التصاريح الممنوحة لمواطني المحافظة، وحرمانهم من أية تصاريح لزيارة الأهل والأقارب بمناسبة الشهر الفضيل. فضلاً عن مواصلة عمليات الملاحقة والاعتقال، ومحاولات الاغتيال، كما حصل أمس مع شقيق الشهيد رعد فتحي حازم، ونشر عصابة المستعربين وقوات الجيش للتنغيص على حياة المواطنين في المحافظة عمومًا، وزيادة حالة التوتر والعنف والفوضى.

ما تقدم يكشف مجددًا هزال وغباء تلك القيادات الصهيونية المشدودة الأعصاب والمتوترة، وفاقدة الثقة بالذات، رغم كل أسلحة الموت النووية والكلاسيكية التي تمتلكها دولة الإرهاب المنظم الإسرائيلية؛ لأن إجراءاتها أولاً لا تفيدهم بشيء أبدًا، لا بل إنها تضع كل المواطنين الفلسطينيين من مختلف الاتجاهات والمشارب في بوتقة واحدة متراصين في مواجهة العدو؛ ثانيًا تعمق الولاء للوطنية الفلسطينية، وتقنع المترددين والوسطيين وأصحاب المواقف التسطيحية، بأن العدو الإسرائيلي لا يميز بين فلسطيني وفلسطيني لا باللون ولا بالمركز الاجتماعي ولا بالانتماء السياسي والعقائدي ولا بالجنس أو بالدين أو العمر، ويضعهم جميعًا في صف الأعداء والمطلوبين والمستهدفين لأجهزته الأمنية القاتلة؛ رابعًا كما أن إجراءاتهم أثبتت للمرة الألف فشلها،  خامسًا أضف إلى أن إجراءاتهم منافية للقانون الدولي؛ لأنها شكل من أشكال العقاب الجماعي المدان والمرفوض دوليًا؛ سادسًا الحصار يساعد ويقوي عزيمة ومكانة أذرع المقاومة وليس العكس. وبالتالي تلك الإجراءات والانتهاكات العدوانية سترتد على غانتس وحكومته المجرمة، وهي الخاسر الأكبر منها على كل الصعد والمستويات.

ولا أضيف جديدًا، حين أؤكد أن كل المحافظات والمدن والقرى والمخيمات في الضفة والقطاع وفي المقدمة القدس العاصمة وفي الشتات وفي داخل الداخل هي جنين، ويقف معها الجميع كجسد واحد، وبالتالي حصار جنين غراد سيعمق دورها الريادي الوطني، ويمنحها المكانة التي تليق بها، ويساهم في تعزيز عملية التكافل والتكامل الوطني بين المحافظات المختلفة، وبالضرورة ستقوم الحكومة بمسؤولياتها اللوجستية لتأمين صمود مكانة أبناء الشعب بما في ذلك رجال الأعمال والعمال، تصريف المنتجات الزراعية في أسواق المحافظات المختلفة.. إلخ.

إذن، جنين ليست محاصرة، لا بل هي من يحاصر العدو الصهيوني، وتغلق عليه أبواب الجيتو، وتفرض عليه شروطها وإرادتها، والشعب كل الشعب الفلسطيني جنين، وستبقى عنوانًا أصيلاً للمقاومة والعطاء والفداء والبطولة.

 

المصدر: الحياة الجديدة