المجتمع الإسرائيلي في معظمه مجتمع أعمى، متعصب، وكاره للغير، هذه الحقيقة ليست استنتاجاً جديدًا ولكن جدده موقف غالبية الإسرائيليين من مسألة إعدام الشاب الفلسطيني محمد شوكت محمد سليمة في منطقة باب العمود في القدس المحتلة مساء أمس الأول. 

للتغطية على الجريمة أجرى قسم التحقيق في شرطة الاحتلال تحقيقاً شكليًا مع الجندي والمجندة اللذين قتلاً الشاب سليمة بدم بارد وهو جريح، ولو لم تصور العدسات الجريمة وانفضح أمرها أمام العالم لما لجأوا حتى إلى هذا الإجراء الشكلي.

المشكلة أن المجتمع الإسرائيلي لم يحتج على عملية الإعدام المفضوحة، ولكن من الطبيعي أن يتصرف هذا المجتمع العنصري على سجيته واحتج بطريقة هستيرية على عملية التحقيق الشكلية مع الجنديبن المجرمين التي قامت بها الشرطة، لتقول للعالم إننا لا نزال "دولة ديمقراطية". من الواضح أن هذا المجتمع لم يهزه إصرار الجنديين على قتل الشاب الفلسطيني الجريح، الذي كان بإمكانهما اعتقاله ونقله إلى المستشفى.

وهنا لا بد من تذكير هذا المجتمع المتعصب بالحقيقة التي لا يرغب برؤيتها، أن القدس التي وقع فيها الحادث هي أرض فلسطينية محتلة في نظر العالم والقانون الدولي، وبالتالي المعتدي هما جنديًا الاحتلال أساسًا. لا أحد هنا يريد تبرير القتل، ولكن الشاب محمد شوكت محمد سليمة كان موجودًا في أرض وطنه، في مدينته، هو شاب يائس محبط بسبب وجود الاحتلال، فجاءت ردة فعله قوية. بالمقابل الجنديان هما بالأساس معتديان لأنهما يمثلان احتلالاً غاصبًا، وتصرفا على هذا الأساس، فتعمدا قتل الشاب الجريح ببرود أعصاب أمام نظر العالم أجمع. 

جريمة باب العمود ليلة أمس الأول اختصرت تاريخًا عنصريًا طويلاً، بدأ من فكرة نفي وجود الآخر وحقه بالعيش بكرامة في وطنه، كشفت هذه الجريمة مرة أخرى أن المجتمع المبني على فكرة النفي والإنكار وتزوير التاريخ هو مجتمع غرائزي، منغلق على نفسه، يفكر تجاه الآخر بوحشية، وأن الآخر هو مشروع للقتل والافتراس فقط. والسؤال كيف يمكن أن يكون هكذا مجتمع ديمقراطيا، وهو بهذا الانغلاق؟
تصرفت إسرائيل ليلة أمس الأول كقطيع من الذئاب، كان يرغب هذا القطيع في نهش الفريسة أكثر وأكثر وليس مواجهة الجريمة المخزية في قتل جريح  بلا حول ولا قوة..! والسؤال الثاني هل يمكن أن يجر بلد بأكمله لمحكمة الجنايات الدولية لأنه يدعم بحماس جرائم الحرب؟ 

عندما نحاول وضع قائمة لمجرمي الحرب الإسرائيليين قد نحتاج إلى مئات الصفحات، والمشكلة أن هؤلاء المجرمين يتمتعون بحماية قل مثيلها بالتاريخ، فهناك دول عظمى تتحكم بالعالم تغطي على جرائم إسرائيل، والمخزي أن هذه الدول تدعي حرصها على حقوق الإنسان، وتعمل على نشر الديمقراطية. لذلك لم يكن غريبًا أن يصر المجتمع الإسرائيلي على  الإمعان في عنصريته، وأن يمارس جرائمه أمام عدسات الرأي العام العالمي دون أي خوف.
فالمحاسبة يجب أن تبدأ من عند أولئك الذين يغطون على  جرائم إسرائيل، قبل إسرائيل ذاتها، لأنهم هم المجرمون الأكثر وحشية. قد تكون طريق الشعب الفلسطيني طويلة من أجل تحقيق العدالة ولكن لا طريق لديه غيرها، وإن الإصرار على الحقوق هو الطريق الأقصر لتحقيق العدالة والعدل.

 

المصدر : الحياة الجديدة