إسرائيل تتهم هيئة الأمم المتحدة باستمرار بأنها منحازة للفلسطينيين، لكنها تغفل أنها هي ذاتها قد تأسست بموجب قرار من هذه الهيئة، التي تمثل الشرعية الدولية، كما تغفل أن عشرات إن لم يكن المئات من القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية لم ينفذ منها شيء، وأن القضية الأقدم التي بقيت على جدول أعمال هذه الهيئة دون حل هي القضية الفلسطينية. عن أي انحياز تتحدث إسرائيل ولم تستطع الأمم المتحدة حتى وقف بناء غرفة في مستوطنة، في وقت يقول العالم أجمع أن الاستيطان غير شرعي ويمثل انتهاكاً سافرًا للقانون الدولي.
ومنذ تأسيس إسرائيل، فإنها اختبأت خلف العضو الدائم الأقوى في مجلس الأمن، الولايات المتحدة الأميركية، لتفشل أي مسعى لإصدار قرار ضد انتهاكاتها للقانون الدولي بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو البند الذي يلزم المجتمع الدولي بالتنفيذ حتى لو دعت الحاجة لاستخدام القوة العسكرية أو العقوبات الاقتصادية. فبالرغم من الحروب التي شنتها إسرائيل على شعبنا الفلسطيني وعلى الدول العربية، ورغم الاعتداءات المتكررة وسياسة التوسع المفتوحة فإن الأمم المتحدة لم تصدر ضد إسرائيل قرارًا واحداً ملزمًا، فبقيت القرارات دون تنفيذ وبقيت إسرائيل دولة فوق القانون والمحاسبة.
في أيار/ مايو 1947 دخلت القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، وذلك عندما قررت بريطانيا التخلي عن انتدابها لفلسطين وتسليم القضية لهيئة الأمم. على الفور عقدت الجمعية العامة اجتماعًا وقررت إرسال لجنة تقصي حقائق إلى فلسطين ومن ثم تسلسلت الخطوات حتى أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181 الذي ينص على تقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة عربية والأخرى يهودية.
وبعد صدور هذا القرار تسارعت الأحداث في فلسطين إلى أن انتهت بهزيمة الجيوش العربية في حرب عام 1948 وحدوث نكبة الشعب الفلسطيني، الذي تم تشريده وازاحة وطنه فلسطين من خريطة العالم السياسية. في تلك المرحلة، وإلى جانب سلسلة قرارات اتخذها مجلس الأمن بخصوص الصراع المسلح، فإن أبرز القرارات التي صدرت في حينه القرار رقم 194 الذي يدعو إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ولم ينفذ حتى اليوم.
ومن بين القرارات الأولى لهيئة الأمم المتحدة، القرار 302 الصادر في 8 كانون الأول/ ديسمبر عام 1949 والقاضي بتأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين "الأونروا"، وهو القرار الوحيد الذي جرى تنفيذه لأنه حول القضية الفلسطينية من قضية حقوق سياسية إلى قضية انسانية، ومع ذلك لاحظنا قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2017 بوقف كل أشكال الدعم عن الأونروا بهدف تصفية القضية الفلسطينية من كل جوانبها. ومنذ مطلع الخمسينيات غابت فلسطين وقضيتها عن جدول أعمال الأمم المتحدة، إلا ما يتعلق بتمديد ولاية وكالة الأونروا.
وعلى إثر هزيمة الدول العربية في حرب عام 1967 صدر قرار مجلس الأمن 242، الذي ينص على عدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة ويدعو إلى انسحاب قوات الاحتلال الاسرائيلي من جميع الأرض التي احتلتها إسرائيل في تلك الحرب. راوغت إسرائيل كثيرًا في تنفيذ القرار وأعطته تفسيرات مختلفة بهدف التملص من مسألة الانسحاب، لكنها وبعد توقيع معاهدات سلام مع مصر انسحبت من شبه جزيرة سيناء، وبدل أن تنسحب من الجولان قامت بضمها، كما ضمت القدس الشرقية وقامت بإعلان "القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل". وبعد أن انسحبت من سيناء ادعت إسرائيل انها نفذت القرار، بحجة أنه ينص على ضرورة انسحاب إسرائيل من أرض وليس من كل الأراضي التي قامت باحتلالها.
في عام 1974 عادت القضية الفلسطينية إلى جدول أعمال الأمم المتحدة بفعل تأثير وجود الثورة الفلسطينية، وفي تلك السنة صدر قرار الجمعية العامة رقم 323 الذي اعترف بحق الشعب الفلسطيني بالسيادة على أرضه وتقرير مصيره بنفسه، كما منح القرار ذاته منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة ودعت في حينه الرئيس الراحل ياسر عرفات للحديث أمامها وهو الخطاب الذي قال فيه أبو عمار جملته الشهيرة "جئتكم أحمل بندقية الثائر بيد وغصن الزيتون باليد الأخرى.. فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي".
عشرات القرارات التي أقرها مجلس الأمن ومثلها أصدرتها الجمعية العامة وهيئات الأمم المتحدة الأخرى، بعضها دعا إلى تفكيك المستوطنات في القدس وباقي الأرض الفلسطينية المحتلة، وبعضها نص على عدم الاعتراف بضم إسرائيل للقدس والجولان وأقر مبدأ حل الدولتين، ولكن جميع هذه القرارات لم تقرب الشعب الفلسطيني مليمترًا واحدًا من الحرية والاستقلال. ولكن مع ذلك فإن قرارات الأمم المتحدة تبقى هي أساس أية تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كما كان القرار 242 و338 هما مرجعية عملية السلام في الشرق الأوسط.
لقد برزت في أروقة الأمم المتحدة سياسة ازدواجية المعايير بشكل واضح، فلم يجرِ تنفيذ قرار واحد من القرارات المتعلقة بانتهاك إسرائيل المتكرر للقانون الدولي. سياسة ازدواجية المعايير هذه هي التي شجعت إسرائيل على المضي في سياسة التوسع والضرب بعرض الحائط كافة القرارات الدولية، فالمسألة أولاً وأخيرًا تخضع لميزان القوى. وأي حديث عن ميثاق أو قرارات أو عدل وإنصاف ما هي إلا مفردات تستخدمها الدول الكبرى في سياق النفاق والتغطية على انتهاكاتها هي للقانون الدولي، وتغطية مخططات الهيمنة وتوسيع دائرة النفوذ.
الشعب الفلسطيني يدرك هذه المعادلة وهو يواصل بلا هوادة نضاله الوطني حتى يسترد حقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها