تحل اليوم الذكرى الـ44 ليوم التضامن العالمي مع الشعب العربي الفلسطيني، الذي جاء بعد ثلاثين عامًا من الغبن التاريخي، الذي لحق به وبقضيته الوطنية وبمستقبل أبنائه واجياله المتعاقبة في أعقاب النكبة، التي كرسها القرار الأممي 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947 عبر تقسيم أرض ووطن الشعب الفلسطيني إلى دولتين، دولة لمجموعات بشرية لا تربطها ببعضها البعض أي صلة سوى رابط الدين، والمشروع الكولونيالي الصهيوني، الذي اوجدته وخلقته واصلت له الحكومات الغربية الرأسمالية من أقصاها إلى أقصاها وفي طليعتها بريطانيا العظمى، التي لعبت الدور المحوري لخدمة أهدافها الاستعمارية، ومهدت له عبر مؤتمر كامبل نبرمان، واتفاقية سايكس بيكو، ومؤتمر سان ريمو والانتداب البريطاني على أرض فلسطين العربية، وذلك لتمزيق الأمة العربية وشعبها إلى شعوب وقبائل ودول متناثرة، ونهب ثرواتهم، واستعبادهم، وخنق مشروعهم القومي التنويري، وتصفية الحساب التاريخي الصليبي القديم معهم، والذي ما زال حتى يوم الدنيا الراهن يشكل الناظم لفلسفة وسياسة دول المعسكر الغربي عمومًا والولايات المتحدة الأميركية خصوصًا تجاه شعوب الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.

وشعورًا من العديد من دول العالم بالذنب تجاه الشعب العربي الفلسطيني تم اصدار قرار اممي باعتماد يوم صدور قرار التقسيم الأممي سيئ الذكر إلى يوم للتضامن معه. لكن انعكاسات القرار ما زالت جاثمة على الأرض، لأن دول العالم قاطبة من الشرق والغرب لم ترق إلى مستوى المسؤولية الأممية مع قضية فلسطين، ومع ما تضمنه القرار الاممي 181، لأنها طبقت جزءًا من القرار، ولم تطبق الجزء الخاص بترسيخ واستقلال وسيادة الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين، ليس هذا فحسب، إنما حولت القضية الفلسطينية إلى قضية لاجئين إنسانية. ولم تساهم في إعادة الاعتبار للقضية، رغم اتخاذها مئات القرارات الأممية لصالح القضية الفلسطينية، وحرية واستقلال الشعب الفلسطيني. وبالتالي فإن قرار التضامن الأممي مع فلسطين وشعبها على أهميته، لكنه بقي حبرًا على ورق، ولم يجد صداه في الواقع الفعلي، وتحول لاحتفالية رمزية في مقر هيئة الأمم المتحدة لذر الرماد في العيون.

مع ذلك، فالشعب العربي الفلسطيني وقواه الحية وقيادة منظمة التحرير وفصائل العمل الوطني والتجمعات والجاليات الفلسطينية حولوه لمنصة لمحاكمة العالم الرسمي باسره، من خلال تعاظم عملية التضامن الاممي غير الرسمية في كل أنحاء الدنيا. نعم شعوب الأرض قاطبة وفي مقدمتها الشعوب العربية الشقيقة تحتفي بيوم التضامن العالمي لتؤكد لفلسطين وشعبها، أنها تقف خلف كفاحه التحرري، وتدعم حقوقه السياسية والقانونية والإنسانية في بلوغه هدف الاستقلال الناجز على أرض وطنه الأم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ورفضًا للنكبة والقهر والظلم والاستعمار الإسرائيلي، ورفضًا للاستيطان ولقرارات الغرب المجحفة، ورفضًا للتطبيع العربي الرسمي المجاني والمبتذل، وتخلي الأنظمة العربية فعليًا عن قضية العرب المركزية.

ومن النماذج التي سيتمثلها الاشقاء العرب في المغرب على سبيل المثال تبني حوالي 30 مدينة مغربية إحياء الذكرى اليوم الموافق 29 نوفمبر 2021 فيها استجابة لنداء الجبهة المغربية غير الحكومية لدعم فلسطين وضد التطبيع ، ورفضًا للاتفاقيات التي ابرمتها الحكومة المغربية مع اسرائيل يوم الخميس الماضي، وكذلك ستفعل الجماهير العربية في ربوع الوطن العربي عبر المتاح لها لدعم كفاح الشعب الفلسطيني، وعلى ذات المنوال فإن الجاليات الفلسطينية في دول المهاجر والشتات ستنظم مع أنصار السلام والعدالة السياسية والاجتماعية كما كبيرًا من الفعاليات والأنشطة لدعم حرية واستقلال وسيادة الشعب الفلسطيني على أرض وطنه الأم، ورفض كل القرارات المجحفة من دول الغرب وغيرها من الدول، ولمطالبة العالم أن يتوقف كلياً عن سياسة التسويف والمماطلة، ويعود لجادة المسؤولية من خلال: أولاً الزام إسرائيل المارقة بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 وضمان عودة اللاجئين لديارهم استنادًا للقرار الاممي 194، عبر فرض العقوبات المتعددة عليها؛ ثانياً عقد مؤتمر دولي ملزم وفق رزنامة زمنية محددة لانسحاب كل ما يمت لدولة المشروع الصهيوني بصلة من أراضي دولة فلسطين المحتلة؛ ثالثًا تعويض الشعب الفلسطيني عن كل الخسائر المادية والمعنوية، التي تكبدها على مدار سنوات الانتداب البريطاني والاستعمار الإسرائيلي؛ رابعًا تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وحقوقه ومصالحه من آية محاولات استعمارية صهيونية. دون ذلك سيبقى التضامن مع الشعب الفلسطيني مجرد شعار لا قيمة له.

المصدر: الحياة الجديدة