أمور عديدة جعلتني أعتبر "حارس الحكايات" من أغنى الكتب وأمتعها التي قرأتها في الفترة الأخيرة، أهمّها أنّ "حارس الحكايات" هو المفكّر الاستثنائيّ، والنّاقد الاستثنائيّ، والمثّقف الاستثنائيّ د. فيصل درّاج صاحب "نظرية الرّواية والرّواية العربيّة" و"الرّواية وتأويل التّاريخ" و"دلالات العلاقة الرّوائيّة" و"ذاكرة المغلوبين" و"الحداثة المتقهقرة" و"طه حسين وتحديث الفكر العربيّ" و"الماركسيّة والدّين" وغيرها من الكتب النّقديّة والفكريّة ومئات المقالات والدّراسات الّتي أثرى بها أدبنا وفكرنا العربيّين وحظي بها قرّاء مجلّات عديدة مثل "الآداب" البيروتيّة و"الكرمل" الفلسطينيّة و"فصول" المصريّة و"الدّوحة" القطريّة.

منذ قرأت مقالاته في الثمانينيات من القرن الماضي في مجلّات "الآداب" و"الطّريق" و"الحرّيّة" الّتي كانت تصل إلى هيئة تحرير "الاتّحاد" الحيفاويّة (ونستقبلها بترحاب وبشوق الفرع إلى الجذع أو حبّ السّاق الى الأفنان والأوراق) أدركت أنّني أمام ناقد عميق متميّز ذي ثقافة موسوعيّة، وعقل كبير، ورأي ثاقب وشجاع.

وفرحت عندما أهداني في تلك الفترة مشكورًا مقالًا في مجلّة "الحريّة" بعد نشر قصّتي القصيرة "العلم" الّتي أزعجت سلطات الدّولة الّتي تتفاخر بالدّيمقراطيّة، وأقول بصراحة إنّني شعرت يومئذٍ بدين ثقيل لهذه القامة السّامقة فكرًا ونقدًا وأدبًا، وأضيف اليوم بعدما عرفته أنّ الرّجل الزّاهد بالمناصب الأكّاديميّة والحكوميّة والحزبيّة قامة إنسانيّة تأسر جليسها وتزوّده بالرّأي السّديد والرّؤية البعيدة وبأسئلة كبيرة عمّا جرى وعمّا يجري في هذا العالم القاسي الّذي قدمنا اليه من بلدات بريئة كانت تستحمّ بالنّدى وتتعطّر بعبير السّريس والبرتقال وكانت تسّمى الجاعونة والبروة وعين غزال والطّنطورة والفالوجة وأم الزّينات وميعار وأخواتهنّ.

تؤكّد كتب ودراسات فيصل درّاج أنّ النّقد ليس ترديدًا لأطروحات المدارس النّقديّة ولما كتبه هؤلاء الكبار جورج لوكاتش، وميخائيل باختين، وغاستون باشلار، ورولان بارت وجاك دريدا وغيرهم. بل تقود المتلقّي إلى متعة القراءة ومتعة المعرفة الفنّية وإلى لذّة النّص وتحمله من متعة الكتابة إلى متعة القراءة إلى متعة النّقد.
هذه المقالات المهمّة الّتي احتضنها كتاب "حارس الحكايات" وكتبها خمسة وعشرون ناقدًا وأديبًا بارزًا منهم إبراهيم السّعافين وفخري صالح وهدى بركات وصبري حافظ والمنصف الوهايبي وواسيني الأعرج وفهمي جدعان تقول إنّ د.فيصل درّاج ناقد عظيم اكتوى بنار المعرفة وحبّ الجمال ومتعة الإبداع.

لا أوافق الرّوائيّ الكبير واسيني الأعرج على تساؤله "لماذا لم يخرج ناقد عربيّ من الدّائرة اللغويّة العربيّة ويذهب نحو الإسهام في المنجز النّقدي العالميّ؟".

هل نسي واسيني ما كتبه النّاقد العربيّ الفلسطينيّ العالميّ إدوارد سعيد على الرّغم من أنّ معظم كتاباته كانت باللغة الإنجليزيّة، وهل يجرؤ أحد ألا يقرّ بأنّ مشروع درّاج النّقديّ تحوّل إلى مدرسة نقديّة؟

قرأت في "حارس الحكايات" شذرات من السّيرة الذّاتيّة للعزيز فيصل درّاج وأرجو أن ينجز هذا العمل الأدبيّ الممتع.
تحيّة لفيصل من حيفا وكرملها، ومن عكّا وسورها، ومن يافا وبحرها، ومن سهل الحولة وطيوره ومن حجارة الجاعونة وأزهارها وأشجارها الّتي كلّما مررت بجوارها قلت في سرّي: من هذه الأرض، عروس الأرض، خرج فيصل درّاج.