ما زال إعلان وثيقة الاستقلال الذي صدح به ياسر عرفات عام ثمانية وثمانين من القرن الماضي يبعث فينا البهجة، والأهم من ذلك ما زالت هذه الوثيقة التاريخية تدفع بنا على طريق الحرية قدمًا إلى تحقيق الاستقلال التام، حيث العودة، والدولة  السيدة بعاصمتها القدس الشرقية، ودائمًا من رفح حتى جنين. 

إنها وثيقة برنامج العمل الوطني، في مساراته النضالية، المستند إلى الثوابت المبدئية التي لا تنازل عنها، والتي حاولت كل قوى العدوان والاحتلال النيل منها بحصارات شتى، ومؤامرات عدة، ضد قيادتها الشرعية، القابضة عليها قبض المؤمن لجمرة الحق والدين، وكان أبرز هذه المؤامرات في السنوات القليلة الماضية، الصفقة الفاسدة التي كان اسمها صفقة القرن، والتي ردت بصفعة فلسطينية حاسمة، عززها الأردن الشقيق بموقف بالغ الشجاعة، ما رمى بالصفقة إلى مزبلة التاريخ. 

ووثيقة الاستقلال وثيقة الرواية الفلسطينية بكل تفاصيلها الإنسانية والحضارية وبكامل تطلعاتها العادلة والمشروعة، وبنص الكلمة والمعنى في وضوحه الإبداعي وغاياته الجمالية وحقائقه الواقعية التي جعلها شعبنا الفلسطيني ممكنة، وقد صاغ "بالثبات الملحمي في المكان والزمان، هويته الوطنية، وارتقى كما نصت الوثيقة بصموده في الدفاع عن هويته وأرضه وحقوقه "إلى مستوى الأسطورة".

ومنذ إعلان الوثيقة وحتى اللحظة تجري عملية تجسيد الاستقلال الوطني تباعًا يومًا بعد يوم ونحن نبني صروح الدولة، لبنة بعد أخرى، وحجرًا فوق حجر وبعلم فلسطين الذي ارتفع في باحة الأمم المتحدة، ورفرف غير مرة على أسوار القدس رغمًا عن الاحتلال المسلح بشتى أنواع الأسلحة، وشتى سياسات القمع والعسف العنصرية، إيذانا بحتمية انبلاج فجر الاستقلال.

نذهب في الواقع بوثيقتنا كنص دولة، ويسجل لنا التاريخ، حيويتها وسلامة لغتها ومواقفها، وتطلعاتها، ولطالما تظل هي البوصلة والنهج وبرنامج العمل، ولأن التضحيات العظيمة لشعبنا هي التي جعلتها نصًا للحقيقة، بعد انتفاضة كبرى أطاحت بغطرسة الاحتلال، حتى سخر فارس عودة من دبابة الميركافا وهو يتحداها بحجر في قبضته الصغيرة.

سلام لشهداء الانتفاضة البررة، والمجد لجرحاها الأبطال، وتحية للأسرى البواسل، والعهد هو العهد والوعد هو الوعد والقسم هو القسم وكل عام ونحن أقرب إلى الاستقلال التام ما دامت لنا هذه الوثيقة وما دام لنا هذا الصمود الأسطوري وما دام لنا هذا الكفاح الوطني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني بقيادتها الشجاعة والحكيمة، وحيث القرار الوطني المستقل هو قرار الوثيقة.   

المصدر: الحياة الجديدة