تقرير: جويد التميمي

اضطر المواطن عيسى يونس لنقل زوجته بجرار زراعي "تركتور"، من منزله بقرية جنبا الواقعة بمسافر يطا جنوب مدينة الخليل في محاولة للوصول للمستشفى حيث كانت تعاني ألم الولادة.

أقدم يونس على هذه الخطوة لعدم تمكن مركبة الإسعاف من الوصول لزوجته، لأن جيش الاحتلال الإسرائيلي يغلق الطريق ويمنع حركة المواطنين ومنها الطواقم الطبية، كما يمنع تعبيد الطريق وتأهيلها، ما يضطر المواطنون لاستخدام جراراتهم الزراعية في محاولة لنقل المرضى والحالات الطارئة.

كل محاولاته الوصول إلى المستشفى باءت بالفشل، وفي نهاية المطاف وضعت زوجته طفلها يونس على يد قابلة في قرية "الترلة" القريبة.

عاد يونس وبرفقته طفله البكر، يقول إن هذا الطفل فتح عينيه على المعاناة، وعندما يكبر سيواجه مزيدا منها بسبب الاعتداءات المتواصلة على المواطنين، حيث الكثير من النساء في المسافر يضعن أطفالهن قبل أن يصلن الى المستشفيات بسبب ممارسات الاحتلال والمستوطنين.

تفتقر مسافر يطا للعيادات المؤهلة والمراكز الطبية، ويشير يونس إلى أن الاحتلال يمنع أي تطور لإرغام المواطنين على الرحيل من قراهم وخربهم.

وفي قصة مشابهة، يتحدث المواطن علي محمد جبرين (62 عاما) الذي تعرض مسكنه خلال الشهر المنصرم، لهجوم من قبل مستوطني "متسبي يائير" المقامة على أراضي المواطنين في قرية شعب البطم بمسافر يطا أن الاحتلال لم يكتف باستهداف العيادات الصحية والمدارس والخلايا الشمسية، بل ويمنع رعاة الماشية من النقل في هذه المناطق، وأعدم وقتل ماشيتهم بالرصاص والدهس وتسميم المياه عدة مرات.

جبرين يعاني من أمراض مزمنة، وأصيب خلال الهجوم بكدمات، يؤكد أنه لم يستطع الوصول خلال ساعات الليل الى مستشفى يطا او الخليل الحكومي لتلقي العلاج، بسبب عرقلة الاحتلال، وبقي يعاني حتى ساعات الصباح، قبل أن يذهب للعيادة الصحية في المسافر.

يقول إن هذه العيادات تقدم خدمات بسيطة لأصحاب الأمراض المزمنة وللأطفال، فيما الإسعافات الأولية تكاد تكون معدومة، وهي متوفرة ليوم واحد أسبوعيا ولساعات محددة لا تفي باحتياجات الناس.

رئيس مجلس قروي مسافر يطا نضال يونس يشير في حديث لـ"وفا"، إلى أن 4 عيادات صحية موجودة في المسافر، تعمل منها 2 فقط، مساحة الواحدة لا تزيد على 50 متر مربع.

ويوضح أن العيادات الـ4 التي اقيمت في قرى المسافر وهي: الفخيت، وجنبة، وصفي، والمجاز، تقدم خدماتها لمئات المواطنين، وهذا لا يكفي، لكن الاحتلال يمنع أي تطور هنا.

ويتابع "الاحتلال يستهدف كل شيء فلسطيني، حيث استولى قبل عام تقريبا على عيادة صحية وهي "كرفان متنقل"، وعرقل عمل الطواقم الطبية فيها، واحتجزهم عدة مرات لمنعهم من الوصول وتقديم الخدمات الصحية للمواطنين، كما احتجز مركبة تابعة لوزارة الصحة لمدة ستة أشهر، كانت محملة بدواء مجاني للمرضى، واحتجز أخرى للوزارة لمدة شهرين لمنع تقديم الخدمات الطبية للأهالي.

يطالب يونس الجهات المختصة بإيفاد عدد آخر من الكوادر الطبية لتقديم الرعاية الصحية للمواطنين، خاصة الذين يتعرضون لاعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، التي طالت خلال الاسبوع المنصرم، المسن علي محمد جبرين والشاب هارون رسمي أبو عرام (24 عاما)، الذي أصيب برصاص الاحتلال في عنقه وأحدث "تهتكا في عموده الفقري، وأدى لقطع في النخاع الشوكي، ما تسبب له بشلل رباعي.

خبير الخرائط والاستيطان في جنوب الضفة الغربية عبد الهادي حنتش تحدث لـ'وفا'، عما تقوم له سلطات الاحتلال الاسرائيلي من جرائم لإفراغ منطقة مسافر يطا من سكانها الذين يصل عددهم قرابة 3 آلاف نسمة تقريبا.

يقول إنه في عام 1996، اصدرت سلطات الاحتلال 16 أمرا عسكريا في يوم واحد، واستولت على 250 الف دونم بمحافظة الخليل معظمها في مسافر يطا وبني نعيم، ومنعت المواطنين من التواجد فيها، وقامت بترحيلهم عام 1999، الا اننا في اللجنة العامة للدفاع عن الاراضي تمكنا حينها من إعادتهم الى اراضيهم وممتلكاتهم.

ويتابع حنتش، الاحتلال ومستوطنوه يواصلون اعتداءاتهم على المواطنين بأشكال متعددة ومختلف، أهمها منع توفير أدنى سبل الرعاية الصحية للأطفال والنساء والشيوخ، ومن يعانون من أمراض مزمنة، مضيفا أن عدة مؤسسات ومنظمات دولية أوروبية حاولت وما تزال توفير الخدمات الصحية وخلايا الطاقة الشمسية وأبرزها المؤسسات الاسبانية، كما قدم الاتحاد الاوربي دعما لإنشاء عدد من العيادات منها المتنقلة "كرفانات" والمشيدة الا ان الاحتلال منعها بل ودمر تلك العيادات واستولى على أخرى.

ويضيف "استهدف الاحتلال مدارس المنطقة بالهدم وسمم آبار المياه، لدفع المواطنين على الرحيل من اراضيهم لسرقتها لصالح توسيع الاستيطان، على حساب قرى وخرب مسافر يطا وبني نعيم جنوب وشرق الخليل".

ويشير الى ان الخدمات الصحية المجانية التي توفرها العيادات التي اقيمت من قبل المؤسسات الدولية في المنطقة، ساهمت في تعزيز صمود المواطنين رغم بساطة وقلة ما تقدمه، وأصبح بإمكان مواطني المسافر تلقي بعض خدماتهم دون تكلف عناء السفر والتنقل الى مراكز المدن، لكن الاحتلال لا يريد شيئا في المنطقة.

ويحسب ما جاء في تقرير صدر عن منظمة أطباء بلا حدود مع بداية العام الحالي، جاء فيه "تواجه بعض المجتمعات في المنطقة "ج" بالخليل تحديات في الحصول على الرعاية الصحية الأساسية بسبب القيود وعدم توفر المواصلات، ويتجلى ذلك من خلال الحواجز التي تعيق الوصول إلى الرعاية الصحية لنحو 300,000 فلسطيني يعيشون في مجتمعات صغيرة متناثرة، ويعتمد أكثر من ثلثهم على العيادات الجوالة للحصول على الخدمات الصحية الأساسية".

وتابعت "يتطلب الوصول إلى أقرب عيادة تكاليف لا تستطيع الناس تحملها، وقطع مسافات طويلة مع عدم توفر المواصلات العامة، وسوء وضع الطرق التي تحول دون وصول سيارات الإسعاف إلى المجتمعات المحتاجة، وفي الحالات التي تحتاج القرب إلى الخدمات الصحية (مثل الحمل)، يضطرون كذلك للبقاء بعيداً عن البيت لمدة طويلة، في مسافر يطا لا يوجد فيها تقريباً أية خدمات طبية منذ زمن طويل، وقد فاقم هذا الوضع من شدة الاحتياجات الملحة لنظام الرعاية الصحية نتيجة تفشي وباء "كورونا".

وأشارت المنظمة إلى أن المعوقات أمام الرعاية الصحية في هذه المنطقة، هي أنه لا يُسمح للسكان فيها أن يبنوا أي مبنى دائم أو شبه دائم بدون ترخيص من "السلطات الإسرائيلية"، ونادراً ما يمنح ذلك الترخيص، حتى المرافق المتواضعة التي تستخدمها أطباء بلا حدود للعيادات الجوالة، كالمرفق الذي في الفخيت، هي معرضة على الدوام لخطر الهدم، ومنذ عام 2012 صدر بحق المدرسة والعيادة المجاورة لها أمر هدم ما يعني أنه قد يتم تجريفهما في أي يوم.