لم يعد مفاجئًا، ولا مستغربًا رؤية ومشاهدة انقلاب الوعي، وحرف بوصلة الصراع في العالم والإقليم، وتغيير مركبات التحالفات. العالم اليوم مليء بالتطورات الدراماتيكية، ليس بفعل سياسات إدارة ترامب اللامنهجية والعشوائية والشعبوية، لانها هي ذاتها جاءت نتاج جملة من التحولات الإستراتيجية في النيولبرالية الأميركية خصوصا والعالمية عموما، دون ان يلغي ذلك تأثيرها الفاجع والخطير في مجمل العمليات السياسية على مستوى الكون، وليس الإقليم الشرق أوسطي فقط. 
من تلك التحولات اللامنطقية والخطيرة عمليات التطبيع الاستسلامية لعدد من الدول العربية مع دولة الاستعمار الإسرائيلية في الآونة الأخيرة تلبية لرغبة إدارة الرئيس دونالد ترامب، كونها حادت وخرجت عن محددات مبادرة السلام العربية ومقررات القمم العربية والإسلامية، ولان نتائجها قلبت أولويات الصراع في المنطقة والإقليم ككل رأسًا على عقب، ولانها طعنت القضية الفلسطينية في الظهر، وعمليًا تخلت عنها، ليس هذا فحسب، إنما انضوت بعضها في محاصرتها، والاعتداء على مصالحها، والانقلاب على قرارات الشرعية الدولية والعالم، الذي يعمل بجهد حثيث على عزل المستعمرات الإسرائيلية، ومقاطعتها، وعدم الاعتراف بشرعيتها، وملاحقة الشركات والمؤسسات، التي تتعاون مع الشركات العاملة فيها، او التي تقيم مؤسسات فيها، او تساهم معها في تعميق عملية الاستيطان الاستعماري إن كان بالمعدات، أو بالاستثمار أو بأي جانب له صلة بوجودها على أرض الدولة الفلسطينية الواقعة تحت نير الاستعمار الإسرائيلي. 
ومن المفارقات الوقحة، في الوقت الذي يقاطع العالم المستعمرات تبادر إمارة دبي لفتح ابوابها امام وفد من المستعمرين الصهاينة مطلع الشهر الحالي نوفمبر 2020 برئاسة رئيس ما يسمى المجلس الإقليمي لمستعمرات محافظة نابلس حسبما ذكر موقع "القناة السابعة" الالكتروني يوم الثلاثاء 6/11/2020. وعقد الوفد الاستعماري الصهيوني اجتماعات تجارية مع قرابة ال20 رجل اعمال ومندوبين عن شركات كبيرة في مجالات الزراعة والمبيدات والبلاستيك وشركات تسعى لشراء تكنولوجيا تسريع نمو المزروعات.. إلخ.
وهذا يوسف بيضون، رجل الأعمال الإماراتي السابح في مستنقع التطبيع المسخ يرحب بالوفد الاستعماري في دبي، فيقول: "أريد ان ارحب برئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات السامرة (حتى انه لم يستخدم اسم مدينة نابلس) والوفد الذي التقينا به اليوم، وهذا يشرفنا (عن أي شرف يتحدث المأجور بيضون) خاصة بعد توقيع اتفاق "السلام" مع اسرائيل. ويطنب في التغزل بالوفد الصهيوني مضيفا: "بالنسبة لنا، نحن إخوة وأخوات من كلا الجانبين، من إسرائيل ودبي، نجلس حول طاولة واحدة". بتعبير ادق شاء بيضون ام لم يشأ، هو شريك في ارتكاب جريمة حرب ضد الشعب العربي الفلسطيني، وأخوَّتُه التي يتحدث عنها، ليست سوى اخوة أعداء السلام، والمتآمرين على الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية والقومية العربية. 
ولا أدري إن كان بعض رجال الأعمال الإماراتيين يميزون بين المستعمرات المقامة على اراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران عام 1967، وبين الدولة الصهيونية التي اقيمت عام 1948 على الجزء الأعظم من فلسطين التاريخية ام لا؟ وهل يعون أخطار تلك السياسة على المصالح الوطنية الفلسطينية العليا أم لا؟ وهل تابعوا المواقف الأممية عمومًا وما يجري في مجلس حقوق الإنسان ومواقف دول الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن ام لا؟ وأيا كان موقفهم، أو إدراكهم من عدمه، فإنهم باتوا متورطين في جريمة ترسيم الاستيطان الاستعماري، وشركاء مع إدارة ترامب المنتهية ولايتها، ومع كل اعداء السلام. ليس هذا فحسب، بل أنهم أصبحوا عمليًا شركاء في عملية الضم للاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 لدولة الاستعمار الإسرائيلية. وهم بذلك يردون ردًا مباشرًا على الحاكم بأمره في الإمارات، الذي دعى أنه أخذ ضمانًا أميركيًا إسرائيليًا بوقف عملية الضم، حتى يدحضوا ادعاءاته الفارغة. 
فضيحة استقبال الوفد الصهيوني الاستعماري تؤكد، أن السيل بلغ الزبى في السلوك الرسمي ولا أقول الشعبي الإماراتي، وعلى كل المعنيين بعملية الاستسلام المذلة أن يراجعوا أنفسهم، ويتوقفوا عن مواصلة السير في طريق الأعداء الصهاينة، ويعودوا لرشدهم ونبض شعبهم وأمتهم، فهذا هو السبيل الأمثل والأفضل لهم ولمستقبل الإمارات الشقيقة وقبل فوات الآوان. لان الشعوب وقواها الحية لن ترحم كائنا من كان من المتورطين في صفقة ترامب المشؤومة.