تقدر الشعوب مصائرها وتقرر صِيغ حياتها ومستقبلها، ارتكازًا على ثقافة إنسانية حضارية، جوهرها الرؤية الجمعية للحياة والموت والخلود بعدهما، وتأخذ الأحداث التاريخية مكانتها في عملية التقدير وتقرير المصير نظرا لارتباطها الوثيق بالوعي الفردي والجمعي، ما يجعل المتعاكسات والمتناقضات الطبيعية أو الطارئة التي تأتي تباعًا أو تتصادف في ذات صفحة وسطور التاريخ موضوعات للبحث والدراسة لاستخلاص العبرة والحكمة من كل حدث. 
الحياة هي الأمر الطبيعي في الدنيا، لكن الموت نقيضها أو عكسها، الحياة ليست كلها متشابهة وكذلك الموت، إذ يوجد مجال حياة للأحرار يعيشه من يشاء، كما يوجد مجال للأذلاء الخاضعين للظلم يعيشه من يرضى به، وهكذا يكون الموت في المجال الأول أسمى وأرقى سواء كان في خضم مسارات الحياة في مجال الحرية، أو أثناء السعي في الدرب الواصل، فالموت هنا افتداء وتضحية أجمعت معظم ثقافات العالم على وسم من ترتقي روحه أثناء هذا الدرب بالشهيد خاصة إذا قتل بأيادي الظالمين.. أما حياة الإنسان فإنها لا تصنف بالحرة إلا إذا فاضت بالأفكار والمواقف والأعمال والأفعال وآثارها الإيجابية في تعميم ونشر قيم التحرر والحرية في المجتمع، شرط مواجهتها الخطر الشديد على الحياة بإعجاز عند كل محطة أو أثناء المرور بمنعطفات أو ولوج حقول ألغام  يعتبر تجاوزه عملا بطوليًا بحد ذاته. 
أحداث وتواريخ في شهر تشرين الثاني/نوفمبر جعلتنا نفكر في حكمة مصادفتها في شهر واحد، فوعد بلفور للصهيونية بسرقة فلسطين من شعبها لإنشاء قاعدة لكيان استعماري مؤرخ في مفكرتنا الوطنية في الثاني من شهر نوفمبر كأفظع جريمة ضد الانسانية ارتكبت في التاريخ، فهذا التاريخ كان مقدرًا أن يكون بداية إشهار موت الشعب الفلسطيني وفنائه بعد قرار بريطانيا الاستعمارية  العظمى سرقة وطنه التاريخي ومنحه للمنظمة الصهيونية العنصرية، لكن الشعب الفلسطيني استطاع تحويل اليوم التاسع والعشرين منه الى يوم أمل عندما انتزع القرار 67/19 من الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها السابع والستين القاضي باعتراف العالم بدولة فلسطين دولة عضو مراقب، قرار ما كان ليتحقق لولا النقلة النوعية التاريخية في النضال الوطني الفلسطيني المؤرخة في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1988 بإعلان المجلس الوطني الفلسطيني لوثيقة الاستقلال التي باتت المرجع لبرنامج كفاحنا الوطني من أجل رفع قواعد المشروع الوطني وإنجاز الاستقلال في دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967، علاوة على احتوائها المبادئ الأساسية للنظام السياسي الفلسطيني. 
 في الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1935 كانت صفد في شمال شرق فلسطين على موعد مع ولادة إنسان ما كان لأحد أن يتوقع أن هذا المهاجر طفلاً مع أهله إلى سوريا سينجو ويشقى، ويغمس يديه الغضتين في مواد البناء وفي كل ما تيسر له من أشغال العمل الشاق قبل استكمال دراسته ونجاحه بتفوق ليصبح فيما بعد قائدا في حركة التحرير الوطني الفلسطيني وثاني رئيس للشعب الفلسطيني، وصفناه بالرئيس الإنسان رئيس السلام. 
مؤرخ في مفكرتنا الوطنية أنه في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2004  ارتقت روح قائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، ورمز كفاح الشعب الفلسطيني وأول رئيس منتخب بإرادة شعبه، ارتقت روحه بعد صراع عروق وشرايين جسده مع سم أريئيل شارون القاتل، الذي كان خطط لقتله بواسطة قناص أثناء خروجه مع المقاتلين الفلسطينيين من بيروت بعد صمود وقتال اسطوري امتد حوالي ثلاثة شهور في العام 1982.  
نعتقد أن القدير قد منحنا يوما نفرح فيه لميلاد رئيسنا الإنسان محمود عباس أبو مازن حتى أثناء إحيائنا يوم استشهاد القائد الرمز ياسر عرفات أبو عمار، نحتفي  ونستذكر يوم استشهاد قائد رئيس وميلاد قائد رئيس، وكأن طاقة التجدد والانبعاث والقيامة  كامنة فينا لا تحتاج إلا للمحبة والوفاء كمحرك لتعود منارتنا الوطنية لبث اشعاعاتها نحو كل اتجاه.  
لم يشهر أي قائد أو رمز يوم ميلاده على الملأ، ولم يفكر أحد بجعل يوم ميلاد زعيم أو رئيس او قائد مناسبة رسمية، لكن  قدرنا دفعنا لمعرفة هذه الأيام وأهميتها ومكانتها في مفكرتنا في عز لحظات بحثنا عن الأمل في جبال ووديان المعاناة والدمار والموت ودخان المعارك، ومتاهات الحصار، فأنا شخصيا ما عرفت يوم ميلاد الرمز ياسر عرفات إلا أثناء أفظع  يوم شهدناه من الحرب الاسرائيلية على بيروت في العام 1982، يومها بلغ القصف من كل صنوف الأسلحة برا وجوا وبحرا ذروته، فبدت شوارع بيروت وكأن زلزالاً بلغ ثمانية درجات على مقياس ريختر قد ضربها، حينها سمعت من مقاتلين أنه يوم ميلاد أبو عمار، ولا أدري حتى الساعة إن كان ما فعله أريئيل شارون في ذلك اليوم لقلب يوم ميلاد أبو عمار إلى يوم نستذكر فيه صور الموت والدمار والاستسلام حتى الذي لم يفلح شارون بنيله. 
عرفت تاريخ ميلاد الرئيس أبو مازن- وهو الذي لا يطيق التمجيد-  فيما أحزاننا على الغياب الأبدي لجسد المؤرخ اسمه في قاموس عظماء فلسطين المناضل صائب عريقات مازالت في أوجها وتراب ضريحه مازال رطبًا، عرفت عندما قرأت أخبار تهنئة للرئيس بمناسبة ميلاده من رؤساء دول صديقة، وعندما بدأ نشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي ينشرون كلمات عاكسة لعواطفهم نحو الرئيس وفخرهم به المخطوط بكلمات محبة وتقدير عظيمين، فتوجهت لنفسي بهذا السؤال: أهي مصادفة التقاء يوم إعلان وثيقة الاستقلال مع يوم ميلاد الرئيس أبو مازن في محيط أيام حزن عميقة على الكبير صائب عريقات الذي كافح وناضل مع أبو عمار وأبو مازن  لتجسيد المشروع الوطني الذي كان روح وجوهر وهدف الوثيقة؟؟ فما رأيت سوى أنها حكمة تعلمنا كيفية انبعاث الأمل.. فعسى يوم ميلادك يلتقي مع يوم ميلاد نصر حتمًا سنحققه معك، ودمت لفلسطين وللإنسانية حتى يتحقق السلام يا سيادة الرئيس.