لسنا عبثيّين، نعرف جيداً من هي أمريكا وندرك أنّ إسرائيل بدون المظلّة الأمريكية لا تستطيع الاستمرار باحتلالها لفلسطين وممارسة كل أنواع الجرائم بحقّ شعبها. بل وأكثر من كل ذلك: نعي جيداً حجم إمكانياتنا وحدود طاقاتنا، ولا يصيبنا الوهمُ بأننا نستطيع هزيمة أمريكا أو إجبارها بسهولة على الإنحياز للحقّ الفلسطيني والإقلاع عن سياسة الانحياز الأعمى لهذه الدولة المارقة.

لكن..
على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تدرك أننا -شعباً وقيادةً- قد صمدنا في وجه إدارة ترامب رغم عدم تكافؤ الفرص واستحالة تعادل القوى. لم يجبرنا ترامب على القبول بأفكاره العبثية وخططه الخالية من أية إشارة إلى حقوق شعبنا الذي يواصل نضاله العادل منذ ما يزيد على مئة عام هي تاريخ أطول حقبة من الظلم التاريخي الذي لم يتعرض له أي شعب آخر. لقد صمد شعبنا رغم تخلّي بعض الأشقاء عنه وانحيازهم لوَهْمِ قدرة ترامب على فرض إرادته وإجبارنا على الاستسلام، تماماً مثلما صمد الشعب الأمريكي نفسه أمام محاولات ترامب لإثارة الفتنة الداخلية وتغذية التمييز العنصريّ وتحريض كل فئة ضد الأخرى، فالتخريب والعبث بمصير الشعوب الذي مارسه ترامب خلال أربع سنوات على مستوى العالم مارس مثله ضد الشعب الأمريكي ذاته.

لقد صمدنا أمام جبروت إدارة ترامب وهي في ذروة انفلاتها من ضوابط العقل والأخلاق والحكمة والعدالة، وعلى الرغم من استخدامها لكل ما في جعبتها من عوامل الضغط والابتزاز وشراء الذمم واستقطاب الأذناب والتابعين الأذلّاء إلا أننا امتلكنا الشجاعة لنقول لها "لا" كبيرة ومدويّة عجزت عن قولها أمم وشعوب ودول لها من الإمكانيات ما يفوق إمكانياتنا بكثير. هذا الصمود هو رسالتنا إلى الرئيس المنتخب بايدن وإدارته الجديدة: لقد آن الأوان لكي تقوم أمريكا بدورها في إنجاز حل الدولتين ورفض سياسات الاحتلال الاستيطانيّ الاستعماري الإسرائيليّ التمرّد على الشرعية الدولية. لقد فشل ترامب ومستشاروه وسفيره المستوطِن في ليّ ذراعنا، ولا خيار أمام الإدارة الجديدة سوى مدّ يدها نحو الشعب الفلسطيني ورئيسه وقائده الشجاع والتصرّف كدولة مسؤولة تحترم نفسها بدل الاستمرار في ممارسة دور التابع لأهواء التحالف اللا أخلاقيّ الذي يجمعُ اليمين الأمريكيّ والتطرّف الصهيوني وهو تحالف لا يقود سوى إلى مزيد من الحروب والدمار في منطقتنا وفي العالم كله ويسيء إلى الشعب الأمريكي وقيمه وإلى الدور المنوط بأمريكا بصفتها دولة تتحمّل مسؤولية تاريخية وسياسية وأخلاقية لرفع الظلم عن شعبنا عبر التخلي عن الانحياز الأعمى للإحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

هناك عدد لا يحصى من المنتجات والسلع التي يعتز الأمريكيون بأنها تحمل علامة مسجّلة: "صُنِعَ في أمريكا".. ويحق لنا نحن الفلسطينين أن نشعر بالفخر ونحن نوجه رسالتنا إلى الإدارة الأمريكية الجديدة: 
"الكرامةُ تُصنَعُ في فلسطين".