في حمأة الاقتراب من الانتخابات الرئاسية الأميركية، وارتفاع حرارة الحملات الانتخابية يسعى الرئيس دونالد ترامب، ومرؤوسوه في الإدارة، وأقرانه في الحزب الجمهوري لتعزيز ورفع نسبة أسهمه للفوز بولاية ثانية. لهذا يقوم الفريق المختص بالحملة باعمال العقل لإحداث اختراقات جديدة لصالحه على أكثر من مستوى وصعيد، ومن بين الأوراق الرابحة في أوساط الناخبين الأميركيين عمومًا والبروتستانت خصوصًا، وأتباع الديانة اليهودية ومراكز النفوذ الصهيونية والمتصهينة، تقف الورقة الإسرائيلية، ومنح الدولة الاستعمارية جوائز ترضية تستجيب لمشروعها الكولونيالي على رأسها، وأيضًا العمل على إنقاذ صديقه الفاسد من مقصلة القضاء الإسرائيلي. لا سيما وأنه مطارد بثلاث قضايا: الرشوة وسوء الائتمان والاحتيال.

ولتحقيق اختراقات في الصف العربي الرسمي تم الإعلان عن اتفاقية التطبيع المجانية الخيانية الضبيانية مع إسرائيل في 13 آب/ أغسطس الماضي، وتسعى إدارة الرئيس ترامب للضغط على عدد من الحكام العرب للانخراط في متاهة التطبيع المجانية، ولهذا قام ويقوم وزير الخارجية، بومبيو، ومستشار الرئيس الخاص، كوشنير بزيارة إسرائيل الاستعمارية والعديد من الدول العربية لتحقيق قفزة ما جديدة على هذا الصعيد.

وبالتلازم مع ذلك يجري تداول معلومات متناثرة في وسائل الإعلام المحلية والعربية عن نية إدارة ترامب لعقد قمة أميركية إسرائيلية عربية في المنامة البحرينية مجددًا لتكريس صفقة القرن، وتعويم عملية التطبيع المجانية مع الدولة الاستعمارية. ووفق ذات المصادر الإعلامية، فإن رئيس الدبلوماسية الأميركية طلب زيارة رام الله للقاء مع الرئيس محمود عباس لدعوته للمشاركة في القمة المنوي عقدها. غير أن المعلومات تشير، إلى أن الرئيس أبو مازن رفض استقبال الوزير الأميركي، وهو رفض مقرون برفض المقترح من حيث المبدأ، لأنه يتناقض مع روح السلام، ويصب في مصلحة المشروع الكولونيالي الصهيوني، ومد بنيامين نتنياهو بعناصر قوة جديدة للبقاء على رأس الحكم.

ولا أعتقد أني أضيف جديدًا للموقف الرسمي الفلسطيني المعلن والثابت، والمؤكد عليه في مختلف اللقاءات السياسية والدبلوماسية، وآخرها أمس الأول الثلاثاء، مع وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب في مقر الرئاسة، حيث أكد رئيس منظمة التحرير، أن القيادة الفلسطينية ترفض الرعاية الأميركية المنفردة لعملية السلام، بيّد أنها تقبل بمؤتمر دولي ترعاه الرباعية الدولية ودول أخرى من الإقليم والعالم، واستنادًا إلى خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، المعتمد في مبادرة السلام العربية بمحدداتها وأولوياتها الأربع المعروفة: انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967؛ إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967؛ ضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194، التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل الاستعمارية. دون الالتزام الإسرائيلي والأميركي يصبح مستحيلاً تحقيق تقدم، لأن البديل خيار الصفقة المشؤومة، وتصفية القضية الفلسطينية، وعملية السلام في آن.

إذاً المحاولة الأميركية الإسرائيلية للعبور مجددًا لتمرير التطبيع الخياني من نافذة مؤتمر استسلام جديد مصيره الفشل، كما فشل مؤتمر المنامة الاقتصادي السابق (25/6/2019)، الذي لم يساوِ قيمة الحبر الذي كتب به بيانه السياسي. وعلى إدارة الرئيس ترامب أن تراجع تجربتها، لأنها تجرب أحصنة مجربة سابقًا في السباق، وكانت نتيجتها الخسارة الفادحة.

لذا الأفضل لها، إن كانت تسعى فعلاً لنجاح الرئيس في الانتخابات القادمة العودة إلى ركائز السلام الأممية والعربية والمعتمدة من قبل الإدارات الأميركية السابقة عليها، التي أكدها قرار مجلس الأمن 2334 الصادر في 23/12/2016 عشية تسلم الإدارة لمهامها. وهذا التراجع لا ينتقص من قيمة ومكانة الرئيس الأميركي، ولا يعيبه في شيء إن كان يريد دخول التاريخ. وعليه بالمقابل، أن يسقط من حساباته كل الخزعبلات الميثولوجية الدينية، ويرتقي لمستوى روح العصر.

ولعل الإجابات التي استمع لها بومبيو في السودان والبحرين والسعودية ومن الكويت والمغرب وتونس وغيرها من الدول العربية تعطيه المؤشر لالتقاط اللحظة السياسية للتراجع عن خرافة الصفقة، ولجم نزعات الصهيوني العبثي نتنياهو وزمرته الاستعمارية لبناء جسور السلام الممكن والمقبول والعادل نسبيًا. فهل يتعظ، ويتعلم من الدرس؟ الجواب مفتوح حتى يجيب الرئيس دونالد ترامب.