وصل أمس الإثنين وزير خارجية إدارة ترامب لدولة الاستعمار الإسرائيلية في جولة لزيارة عدد من دول الوطن العربي، منها السودان، والبحرين والإمارات، وسيلحق به مع نهاية الأسبوع صهر الرئيس الأميركي، كوشنير، وبالتزامن معهما ستكون زيارة لوزير خارجية بريطانيا، دومينيك راب لكل من إسرائيل والسلطة الوطنية.

وإذا توقفنا أمام زيارة رئيس الدبلوماسية الأميركية وأسبابها، وما تتوخى من حصاده، فإننا نعتقد، أن الأسباب تتمثل في الآتي: أولاً جزء من الحملة الانتخابية للرئيس الجمهوري، وذلك بهدف تحقيق إنجازات جديدة لصالحه لا سيما أن رصيده في الشارع الأميركي في تراجع؛ ثانيًا طمأنة حكومة نتنياهو لأكثر من عنوان منها: 1- التأكيد على أن أمن إسرائيل يعتبر أولوية قصوى للولايات المتحدة؛ 2- ولن تسمح إدارة ترامب بتفوق أي دولة عربية مهما كان مستوى تحالفاتها مع أميركا، ومع الإدارة؛ 3- بيع طائرات الـ F35 لا علاقة له بالإعلان الثلاثي، ولا تربطه أيّة صلة؛ ثالثًا ممارسة المزيد من الضغط على الدول العربية، التي سيزورها مع مستشار الرئيس الأميركي لانتهاج ذات السلوك التطبيعي، الذي تورطت به سلطة ابو ظبي. خاصة أن هناك تراجعًا، أو لنقل تجميدًا مؤقتًا في اندفاع بعض الدول العربية تجاه التطبيع المجاني مع دولة إسرائيل الاستعمارية؛ رابعًا مناقشة الملف الإيراني، والتأكيد على المؤكد في فرض عقوبات جديدة على إيران؛ خامسًا مناقشة الملف التركي أيضًا؛ سادسًا متابعة الخطوات المشتركة فيما يتعلق بالساحة اللبنانية، والتوافق على كيفية إعادة صياغة النظام السياسي بما يتوافق مع المصالح الإسرائيلية؛ سابعًا الملف الدولي وآفاق الصراع مع الأقطاب المنافسة لأميركا وخاصة الصين الشعبية.

والطموح الأميركي الإسرائيلي من نتائج هذه الزيارة يكمن في دحرجة عدد من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل الإستعمارية لتكريس الواقع الجديد، في كسر محددات مبادرة السلام العربية، وطي صفحة مبدأ "الأرض مقابل السلام"، والتخلي عن قرارات القمم العربية والإسلامية، والسير في متاهة المساق الخياني مع دولة إسرائيل، وكذلك دفع الإمارات لإدراج الملف الأمني في الاتفاق الإسرائيلي الضبياني بما يتوافق مع المصلحة الأمنية الإسرائيلية.

غير أن القراءة الموضوعية في المشهد العربي، ورغم كل حالة التآكل والانهيارات المتلاحقة، إلا أن الحالة الشعبية العربية الرافضة للتطبيع المجاني المعبر عنها بمواقف الاتحادات والمنظمات الشعبية والثقافية العربية، والداعمة للموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي، تشير إلى ان رهان بومبيو قد يصطدم بعقبات هنا وهناك، تؤجل الاندفاعات العربية الرسمية نحو التطبيع لحين وجود لحظة سياسية مناسبة، كما حدث في انفجار مرفأ بيروت، الذي شكل مدخلاً للخطوة الإماراتية، وبالتالي الافتراض الأميركي بتحقيق إنجاز ملموس جديد ليس بالضرورة أن يكون سريعًا.

إذا الآفاق قد لا تكون واعدة، كما ترجو القيادة الاستعمارية الإسرائيلية المأزومة أيضًا، والتي يحاول رئيس الحكومة الفاسد ممارسة المزيد من الضغط على الدول العربية لإحداث اختراق جديد يعزيز من مواقعه في المشهد الإسرائيلي. ولكن رئيس وزراء المملكة المغربية رد على نتنياهو وبومبيو وكوشنير وترامب نفسه، وعلى العرب المطبعين بشكل غير مباشر، عندما أعلن أمس الاثنين، أن المملكة مع الشعب الفلسطيني، ومع حقوقه، ومع ركائز مبادرة السلام، وأن أي خطوة تطبيعية مجانية لا تصب في مصلحة السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 لن توافق عليها المغرب، وأكد بما لا يقطع مجالاً للشك، أن المملكة المغربية ملكًا وحكومة وشعبًا ليسوا بوارد التطبيع مع إسرائيل في ظل المعطيات الماثلة في الواقع.

والموقف المغربي ليس وحيدًا، بل هناك مواقف الدول المغاربية جميعًا: تونس والجزائر وموريتانيا لن تذهب إلى ما ذهبت إليه حكومة ابو ظبي، وكانت قبل ذلك أكدت دولة الكويت بشكل قاطع رفضها لأيّة عملية تطبيع مجانية مع إسرائيل. واكد كل من وزير خارجية السعودية والأمير تركي الفيصل على أن المملكة السعودية تتمسك بمبادرة السلام العربية ومحدداتها. كل هذه المواقف تشير إلى أن الحالة العربية الرسمية قد لا تستجيب لما يطمح له كل من نتنياهو وبومبيو ورئيسه الإفنجليكاني وزمرته اليمينية المتصهينة.

لكن لتعزيز كل المواقف العربية، فإن الضرورة تحتم أن نلعب دورًا هامًا كرافعة للقوى السياسية الرسمية والشعبية العربية والعالمية المؤيدة للحقوق الوطنية، وذلك لا يقتصر على الإعلان الرسمي عن الموقف الرافض للخطوة الإماراتية، انما يحتاج إلى رفد شعبي مقاوم لرفع صوت الشعب الفلسطيني عاليا ضد كل مخططات التطبيع والضم وصفقة العار الأميركية.