من يراقب نتنياهو، بعد الإعلان عن الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية، يلاحظ أنه يتصرف كزعيم لدولة من العالم الثالث من الدرجة الرابعة، يحاول أن يحتكر " الإنجاز " لنفسه ويمشي كالطاووس، بالرغم أنه ملطخ بتهم الفساد والكذب وكل الصفات التي تنفي عنه العظمة. وفي إطار هذا المشهد المضحك، الذي يشير إلى حالة إفلاس وخواء سياسي إسرائيلية، يتباها نتنياهو أنه فرض مبدأ السلام مقابل السلام بدل السلام مقابل الارض، وأنه انتصر في فرض استسلام على العرب مع بقاء الاحتلال، وأنه نجح في شطب الحقيقة الفلسطينية من جديد، وألغى أي احتمال لاقامة دولة فلسطينية مستقلة.

بعيدًا عن غباء بعض العرب الذين يعتقدون أن هذا النمط من السلام وبهذا الحجم من التنازل بأنه قد يحميهم ويحافظ على كراسيهم، فإن الغبي الأكبر، ومن يمثله من اليمين الصهيوني المتطرف، هو نتنياهو الذي يحاول الهروب من الحقيقة الفلسطينية إلى الأمام. مثل هذا الهروب لن يجلب لإسرائيل سوى مزيد التأزم والأزمات، فهو أما سيبقي هذه الدولة الهجينة دولة احتلال غير ديموقراطية، أو يحولها إلى دولة فصل عنصري وفي حالة توتر وعدم استقرار أبدي... إلى أين يأخذ نتنياهو إسرائيل؟

تاريخيًا، عندما قررت الحركة الصهيونية غزو فلسطين والاستيلاء عليها، أقنعت نفسها وأقنعت يهود العالم، المترددين في حينه، بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، ليكتشف هؤلاء عندما وطأت أقدامهم أرض فلسطين، أن هناك شعبًا بدأ بمقاومة استيطانهم وهجرتهم إلى وطنه. كثيرون من قادة الحركة الصهيونية الذين حضروا إلى فلسطين اكتشفوا هذه الحقيقة مبكرًا، وبدأوا بالتفكير بصيغ وحلول تضمن لهم التعايش بسلام مع الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، ومن بين هولاء بن غوريون نفسه.

أكثر من مائة عام مرت من النكران، نكران الوجود السياسي والحقوقي للشعب الفلسطيني باءت بالفشل، نكبة عام 1948، كانت التجربة الأهم في محاولة إلغاء الحقيقة الفلسطينية، خصوصًا بعد أن شُرد أكثر من نصف الشعب الفلسطيني من وطنه، ولكن ماذا كانت النتيجة عاد الشعب الفلسطيني ليفرض نفسه ويفرض وجوده السياسي والحقوقي من جديد عبر ثورته وانتفاضاته المتتالية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومن أجل حريته واستقلاله، وأن يمارس حقه في تقرير المصير على أرض وطنه التاريخي.

اليوم هناك أكثر من 6 ملايين فلسطيني موجودين في فلسطين التاريخية، إلى متى يستطيع نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف الهروب من هذة الحقيقة، وأن يواصل التعبير عن انتصاره على العرب وفرض الاستسلام عليهم من دون أن يطالبوه بإنهاء الاحتلال. نتنياهو المحتفل يتناسى أن الشعب الفلسطيني لم يستسلم له، وهو يتجاهل أن المشكلة تتفاقم في داخل جسده الذي سينفجر قريبا.

لقد قدم الشعب الفلسطيني حلولاً ومبادرات، وعمل جاهدًا من أجل تحقيقها، قدم أولاً فكرة الدولة العلمانية الديمقراطية التي تضم الجميع وينعم مواطنيها بالمساواة التامة، كما قدم الشعب الفلسطيني حل الدولتين تسود بينهما حالة سلام وتعايش، ويمكن أن يقبل بدولة واحدة لشعبين، لم يقدم الشعب الفلسطيني هذه الحلول وهذه المبادرات ليثبت وجوده، فهذا الوجود حقيقة لكنه اقترح كل ذلك من اجل ان يحصل على الحرية والكرامة والمساواة والامن والاستقرار، ومن اجل وقف شلال الدم، فالدول الحديثة العصرية هي دولة كل مواطنيها وليست لمجموعة واهمال أخرى.

هناك كثير من الإسرائيليين الذين يدركون أن نكران الحقيقة الفلسطينية والهروب منها هو غباء سياسي، وهم يدركون أن هذا الانكار سينفجر يوما في وجه إسرائيل وسيفجرها من الداخل.

من يراقب إسرائيل بعد الاتفاق مع الإمارات سيلاحظ أن الأكثر فرحًا بهذه الاتفاقية هو نتنياهو وعصابته، ليس باعتبارها انجازًا له ولهم وحسب، بل لان هذه العصابة تدرك أنها مع هذه الاتفاقية ستزداد ثروتها بالصفقات التجارية والمالية السوداء، فالهروب من الحقيقة الفلسطينية مع هذا الواقع الفاسد وبوهم بأنه سيجلب السعد لإسرائيل !!!!؟