في لحظات سياسية محددة ونتيجة وجود تناقض في المواقف السياسية بين القيادة الفلسطينية وبعض العربية، أو إستهتاراً من قبل أنظمة بعينها بمصالح الشعب الفلسطيني، أو خروجًا على قرارات الإجماع العربي، ومحددات السياسة العربية بشأن القضية الفلسطينية، أو نتيجة إتجار بعض الأنظمة بمصالح الشعب، والمساومة عليها، أو إستغلالاً لظرف ما بهدف الإساءة والإنتقاص من مكانة القضية والقيادة الشرعية الوطنية ... إلخ تحدث حملات إعلامية متبادلة عادة لا تقتصر عند حدود السقف السياسي هنا او هناك، بل ينبري بعض البسطاء من العامة، أو أصحاب الإجندات الأجنبية، أو وكلاء وعملاء إسرائيل والولايات المتحدة ومن لف لفهم من انظمة وقوى للخلط بين الشعبين الشقيقين، وزج قوى سياسية أو إجتماعية ... لتعميق التناقضات بين الشعبين، ودس السم في الدسم.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، الآن في ظل التناقض مع حاكم الإمارات الفعلي، الشيخ محمد بن زايد، يتم الخلط بين الحاكم والشعب الإماراتي، أو العكس صحيح، أي أن بعض الإماراتيين يندفعون للدفاع عن الحاكم بأمره في أبو ظبي ليهاجموا الشعب العربي الفلسطيني، كلا التوجهين خاطىء، ومرفوض، ومحذور الوقوع به. لأنه لا يعكس الواقع، فالعلاقة مع الشعب الإماراتي الشقيق كانت وستبقى قائمة على التكامل والتعاضد والتساند، ولا يجوز تحت أي إعتبار الوقوع في دوامة ردود الفعل الخاطئة والمدانة.

الشعب الإماراتي الشقيق، شعب مساند لفلسطين وقضيتها، ولا يقبل بالإنتقاص من مكانتها، وإن كان مغلوبًا على أمره الآن، فإن هذا الواقع لا يعكس حقيقة الموقف الإماراتي الأصيل. ليس هذا فحسب، بل هناك نخب سياسية وثقافية وإعلامية وإقتصادية إماراتية لا تتوافق مع خيار محمد بن زايد وزمرته المغتصبة السلطة في الإمارات. وبالتالي على كل فلسطيني الإنتباه جيدًا وهو يتحدث عن التطبيع المجاني، ويحصر المسألة والإدانة بأشخاص بعينهم وبذاتهم، أي لا يجوز التعميم. وحتى لو أخطأ بعض الإماراتيين البسطاء، لا يجوز الوقوع في محذور الرد عليهم. يقتصر الرد على أبواق الزمرة الفاسدة، والتي تتحمل مسؤولية الإنقلاب على قرارات وثوابت الشيخ المؤسس والمغفور له زايد بن سلطان آل نهيان، المعروف بمواقفه الحكيمة والشجاعة والمساندة للقضية الفلسطينية وقضايا العرب كلها.

وفي هذا السياق تملي الضرورة عند إقامة فعاليات سياسية فلسطينية ضد خطوة التطبيع المجانية والخيانية الإماراتية، دعوة القائمين بالفعاليات إلى رفع الأعلام الإماراتية إلى جانب الأعلام الفلسطينية، لأن ما بين الشعبين من وشائج الأخوة والتضامن والتكافل ما هو اعمق من الخطوة الخطئية، التي إرتكبها الشيخ محمد.

كما أن المسؤولية تحتم على كل فلسطيني مسؤولاً أم مواطنًا عاديًا الحذر من الوقوع في خطيئة المواقف المتطيرة والمتطرفة، التي تطالب من أبناء الشعب العربي الفلسطيني المقيمين في دولة الإمارات، أو دول الخليج أو غيرها من الدول والأنظمة التي تتصادم مواقف القيادة الفلسطينية معها هنا او هناك بإتخاذ مواقف عنترية، والوقوع في مطبات اللغة الشعاراتية الجوفاء، على الجميع التمييز بين المواطن الموظف، أو العامل في هذة الدولة او تلك، وبين القوى السياسية الفلسطينية المتواطئة والمتورطة مع هذا النظام العربي أو ذاك. بتعبير آخر، حذار من المغالاة، والتطرف، ودفع أبناء الشعب الفلسطيني للوقوع في مواقف لا تخدم مصالحهم الحياتية، ومصالح أسرهم وابناءهم، إلآ إذا لجأت تلك الأنظمة للمحذور وقامت بطرد العلائلات الفلسطينية دون سبب، وإندفاعًا وراء المواقف الخيانية أو الحمقاء المتناقضة مع محددات السياسة العربية الرسمية، عندئذ تتطلب اللحظة الدفاع عن الذات الوطنية، لكن ايضا هنا لا يجوز الخلط بين النظام السياسي والشعب في أي دولة من الدول العربية. لإن الشعوب العربية شعوب مجروحة ومنكوبة بحكامها وسدنتها المنبطحون والمستسلمون لإملاءات قوى العدو الصهيو أميركي ومن لف لفهم.

وفي هذا السياق، من الضروري التمييز بين الموظفين الرسميين العرب، بغض النظر عن مراكز مسؤولياتهم في المؤسسات العربية الرسمية، وبين الحكام المتنفذين، وأصحاب القرار هنا أو هناك، فإن إتخذ هذا الموظف المسؤول العربي قرارًا تضامنيًا مع القضية والشعب الفلسطيني، فشكرًا له، والواجب تثمين موقفه. ولكن إن بقي في موقعه، ولم يتخذ الموقف المؤمل، لا يجوز أن نحمله أكثر مما يتحمل. لإن معادن الرجال ليست واحدة، ومطلوب التعامل بإيجابية مسؤولة مع الجميع بإستثناء المتورطين في هذة الجريمة او تلك.

إذا لنحرص كل الحرص على الشعوب الشقيقة في الوطن العربي وبكل تلاوينهم السياسية والحزبية والثقافية، لإنها شعوب مطحونة بالظلم والإستغلال والإستبداد من قبل الأنظمة. لهذا الحذر ثم الحذر ثم الحذر من الخلط المتعمد بين الشعوب والأنظمة الرسمية.