قد يسأل القارئ لماذا نعيد الآن تعريف دولة إسرائيل؟ وما أهمية ذلك في هذا الوقت؟ الجواب على هذا السؤال سيأتي لاحقاً.

إسرائيل دولة نشأت وتطورت بطريقة لا تشبهها فيها أي دولة أخرى، هي دولة نشأت بقرار اعتمدته الدول الاستعمارية، وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى. لذلك لا يمكن أن نعرف إسرائيل إلا من خلال كونها نتاج الحقبة الاستعمارية، عندما كان مباحًا أن تحتل الدول القوية الشعوب الضعيفة دون أي رادع.

من هنا فإن منشأ إسرائيل كان إحدى خلاصات وابداعات الحقبة الاستعمارية بما فيها من ظلم وعنصرية ونفي لحق الشعوب بتقرير المصير، وقدرتها في حكم نفسها بنفسها، وإنكار أي وجود ذي طابع سياسي وحقوقي للشعوب الخاضعة للاستعمار. فكان الوصف الاستعماري لهذه الشعوب أما أنها متوحشة أو بدائية أو سكان أصليون دون أن يعترف بحضاراتهم وثقافتهم ولا بكونهم شعبًا. وفي أحسن الأحوال كان يتم التعامل معهم كطوائف وأقليات.

الدول الاستعمارية وإن لم تتخل عن فكرة الهيمنة، فإنها غيرت من مسلكها وأنماط تعاملها مع الشعوب واعترفت بحق هذه الشعوب بالاستقلال الوطني. كما أصبحت، ولو بالشكل، مجبرة على احترام القانون الدولي، واحترام حقوق الإنسان والعلاقات الدولية على أساس التكافؤ.

إسرائيل، التي تسوق نفسها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط. هي في حقيقة الأمر الدولة الوحيدة المتبقية من تلك الحقبة الاستعمارية وبنفس مواصفات ومعايير تلك المرحلة الأكثر سوادًا في التاريخ.

عندما أبرمت اتفاقيات سلام مع بعض الدول العربية. وعندما دخلت مع الشعب الفلسطيني بعملية سلام اعتقدنا أن هذه الدولة ستغير من حقيقتها الاولى. وتنهي علاقتها بتلك الحقبة وتتخلى عن كونها دولة احتلال. حتى أن العالم كان يبدو أنه مهتم بأن تتغير إسرائيل ودعم مبدأ حل الدولتين.

لو نظرنا لإسرائيل اليوم لوجدناها النسخة الأكثر تعبيرًا لحقبة الاستعمار القديم، هي دولة احتلال وتعزز من احتلالها، هي دولة عنصرية وتمعن في إظهار عنصريتها عبر سن قانون يهودية الدولة. وهي تصر على نكران الآخر ونفي وجوده. أو أنها تتعامل معه كسكان محليين أو مجموعة من الطوائف والأقليات.

كيف يمكن أن نعرف إسرائيل والحالة هذه؟

هي دولة نشأت بقرار استعماري من نتاج المرحلة الاستعمارية ولا تزال كذلك، دولة لم تستطع التأقلم مع المتغيرات وبقيت دولة عنصرية، دولة احتلال.

في مرحلة ما ساد انطباع أن إسرائيل تتغير، عندما كان هناك حركة سلام الآن. وقوى تدعم السلام اعتقدنا أن هناك فرصة للسلام والتعايش. اليوم تصر إسرائيل على أن تبقى دولة قديمة من عصر الاستعمار، ان أهمية إعادة تعريف إسرائيل، في هذه اللحظة التاريخية، لحظة صفقة القرن والضم، وبعد فك الفلسطينيين ارتباطهم بالاتفاقيات، هي محاولة لإعادة تحديد طبيعة الصراع، الى نسخته الأولى، أي صراع وجود مقابل وجود.