ترامب الموصوف بالشخص المصاب بجنون العظمة، الذي بات معظم الجمهور الأميركي ينظر إليه كرمز لغطرسة واستكبار معجونة مع غباء وحماقة غير مسبوقة لدى رؤساء الولايات المتحدة السابقين نراه اليوم- وبعد صمود محكم ومواقف شجاعة وحكيمة أجمع عليها الموافقون على سياسة الرئيس أبو مازن والمعارضون- بات يسعى لتمرير رسائل حتى عبر تصريحات لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين حول إمكانية التراجع عن قرار الضم بصيغ مختلفة منها الحديث عن ضم المستوطنات الكبرى فقط، وتبادل أراض!! وصيغ أخرى من مقترحات مرفوضة أصلاً لدى القيادة، ما لم تكن قائمة على أساس الإقرار بحق الشعب الفلسطيني بإنجاز استقلاله على أرضه في دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية تراجع ترامب ونتنياهو الملحوظ ليس كرمًا، وإنما لإدراكهم أن الرئيس محمود عباس أبو مازن ليس عقبة على درب تنفيذ خطته الاستعمارية الجديدة الموصوفة بالوعد البلفوري الثاني وحسب، بل لأنه المستحيل أمام نتنياهو المكلف بتنفيذ خطة ترامب الاستعمارية كاملة بما فيها خطة ضم أراض فلسطينية محتلة منذ العام 1967 تعتبر وفق القانون الدولي أراضي ضمن حدود دولة فلسطين المعترف بها بالقرار 1967.

بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستخدم وسائل تمكنه من النزول عن شجرة عالية صعد إلى أعلى جذعها عندما قرر اعتبار القدس عاصمة موحدة لمنظومة الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي العنصري، بعد أن ظل توقيعه على القرار الذي تباهى به أمام عدسات الصحافة مجرد حبر على ورق ولم يجاره أحد من دول العالم في عدوانه على القانون الدولي وعلى الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية ومقدساته.

 أما حفلة الاغراء المادي والكرم الترامبي التي أطلقها صهره كوشنير قبل وأثناء طرح خطة ترامب الاقتصادية في المنامة (عاصمة البحرين) التي فوجئ الأشقاء العرب أنها ستكون ممولة من أموالهم العامة وخزائنهم، فقد انكشفت عورتها بسقوطها لحظات بعد إعلانها، فخاب ظن المتربع في البيت الابيض اليوم في الحصول ولو على مجرد التفاتة أو استفسار أو سؤال من الرئيس محمود عباس.

 تثبت مواقف الرئيس محمود عباس يومًا بعد يوم أن الشعب الفلسطيني لا يقبل بيع كرامته وحريته، حتى لو بلغ الثمن كنوز الأرض وثقل جبالها ذهبًا، ويثبت للعالم أن القوة التي يتمتع بها أي رئيس في العالم مصدرها ثقة الشعب به وبمصداقيته وإخلاصه ووفائه وتمسكه بالثوابت والأهداف، أما مواجهة الرئيس أبو مازن المباشرة مع الرئيس الأميركي ترامب فإنها نابعة من إيمانه بأن قوة الرئيس الأميركي ليست مطلقة، وأن ترامب سيكون قويًا إذا لمس ضعفًا منه، وأن هذا الترامب تراجع لأنه لمس حواجز العناد عند الرئيس أبو مازن المرفوعة على الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني، وتبين مقدار ثباته اللا محدود على مبادئ حركة التحرر الوطنية الفلسطينية وأهدافها المرحلية التي هي محل إجماع الشعب الفلسطيني، ولأنه أدرك أن ما كان من مواقف الرئيس أبو مازن سيبقى اليوم وسيكون في الغد أقوى وأمتن وأشمل، وأن لا طائل ولا رجاء من محاولات اخضاعه بالحصار السياسي والمالي، ومحاولات خلق بدائل (أقزام)، فترامب المكابر على يقين اليوم بأن قائد حركة تحرر وطنية ورئيس شعب عظيم بتضحياته، يضع قضايا الوطن ورفعة وكرامة الشعب وحريته ومكانته بين الأمم فوق كل اعتبار لا يمكن الحصول منه على تنازل أو استسلام أبدًا، وبعد أن تبين له فشل نظرية تأمين الرفاهية والأمن لمجتمع منظومة الاحتلال العنصري الاستيطاني الاحتلالي على حساب أمن وحرية واستقلال الشعب الفلسطيني حتى لو ضاعف المحتلون جرائمهم، المصنفة كجرائم حرب وضد الإنسانية وفق القانون الدولي.

 سنراقب موقف العالم، ونراكم على إنجازاتنا في ميدان القانون الدولي وعلى مكانة فلسطين التي تم ترسيخها خلال عقد ونصف من النضال السياسي الفلسطيني أثبت خلالها الرئيس أبو مازن صواب رؤيته لصراع الشعب الفلسطيني الوجودي مع المشروع الصهيوني الاستعماري الصهيوني، وما كان لدول الاتحاد الأوروبي أن تنتصر في مواقفها المعلنة حتى الآن للقانون الدولي، لولا قناعة هذه الحكومات والدول أن موقف القيادة الفلسطينية منسجم تماما مع القانون الدولي، وأن منظومة الاحتلال (دولة إسرائيل الناقصة) متمردة فعلاً وخارجة على شرعة ومواثيق وقوانين الإنسانية.