لا مجال لا وقت للوقوف وتضييع عد سويعات الزمن لتقرير الاختيار، فإما موقف صادق خالص على جانبي الرئيس محمود عباس أبو مازن يمينه ويساره، ومعه أينما ولى وجهه، أو فلا حصة لواحد في سجل المواقف التاريخية الوطنية.

 

لن نكون الشعب الذي يقول لقائد حركة تحرره الوطنية ورئيسه "اِذهب أنت وربك فقاتلاً إنّا هَاهُنا قاعدون" ولن نتيح للمؤرخين الذين ينتظرون سقوطنا فرصة وفرحة الكتابة عنا أننا نقتل قادتنا الحكماء، ونطمس بصيرتنا في عيونهم التي تستهدي طريق الحق والصواب والنجاة والأمل والمستقبل لنا.

 

 قد يكون منا من قد غفل أو تغافل عن عمد، أو نسي أو تناسى عن قصد لكن الشعب الذي يبقى لأكثر من مئة عام في خندق المواجهة، يمنع تقدم مشاريع اجتثاثه من جذوره، ويصمد ويظل منارة للتحرر الوطني وقيم الوفاء والانتماء والالتزام، وسط ما هيئ للأمة أنها قلاع شامخة، أثبتت الأحداث أنها مجرد نماذج قومجية وإسلاموية فئوية متعصبة متطرفة وأخرى وطنية خاوية لا أكثر بُنيت من رمال الشواطئ البحرية والصحراوية على حد سواء، فحركة تحررنا الوطنية الفلسطينية ما كانت إلا لتحقيق الحرية والنصر والاستقلال، وفي أسوأ الأحوال ما كانت إلا لتصمد ثم تقوم من جديد، أما السقوط والهزيمة لم يكن أبدًا في ذهن مناضل قائد في حركة التحرر، فكيف وقد تعززت مسيرة الكفاح المنطلقة منذ مئة عام، الروح الثورية الوطنية، والإرادة الشعبية، وأطلقت الابداعات النضالية والطاقات الفردية والجمعية لدى الشعب الفلسطيني، إلى حد يستحيل على قوة في العالم مهما بلغت قوتها النارية المدمرة أو السياسية المسخرة لآلتها الحربية.

 

لا أسرار ولا معجزات ولا أسطورة فيما نؤمن ونقول، وإنما لأن القائد الفلسطيني الوطني يتقدم في اللحظة المناسبة الى المكان المناسب، ويتمترس ويثبت متمسكًا بالأهداف النبيلة السامية، فالقائد مناضل يرى مهمته تكليفًا من الصامدين والمظلومين والمضطهدين وذوي الشهداء والأسرى، لا تشريف ولا شرف يناله- إن قدر له ارتقاء روحه في الميدان أو البقاء حيا– إلا بمعيار التضحية والوفاء والعطاء.

 

لا أسرار ولا معجزات، ولا أسطورة، وإنما سفينة تبحر رغم الأعاصير والأنواء القاسية المعلومة المفاجئة أيضًا، يشد المخلصون أزر قبطانها، لا وقت لديهم للتصفيق له كلما عبر دوار بحر عظيم كاد يكون الغرق فيه حتميًا، وإنما لأن كل مناضل يعلم مهمته مسبقًا في ركن معين من أركان السفينة ويعرف دوره المحسوب والمنظم، ينتهج البحث والدراسة، يستخلص العبر والأحكام قبلاً وبعد، أما القافز من السفينة فإنه حسب قضاء المناضلين الأحرار ساقط في دوار الخيانة حتمًا.

 

لا أسرار ولا معجزات ولا أسطورة، وإنما لأن أبو مازن قائد شعب فلسطين اليوم، قد منح السياسة الوطنية والخارجية وجهًا أخلاقيًا بصدقه، فيما تسونامي النفاق والخداع والكذب قد دمر دولاً وما زال يفكك روابط امبراطوريات، ولأن ملوك ذلك النوع الشاذ من السياسة في منظومة الاحتلال ما زالوا في صدمة من قدرته على مواجهة القراصنة والنبلاء، البسطاء والعظماء، الأصدقاء والأعداء على حد سواء بوجه واحد، هو وجه الحق الفلسطيني الذي يجب أن يروه بعقولهم وقلوبهم وبصيرتهم، وليس بأبصارهم وحسب، فهؤلاء استماتوا ولم يوفروا قوة خارجية أو داخلية أو حتى قوة موسوسين لدفعه للانزلاق نحو مربعاتهم لكنهم فشلوا، لأن أبو مازن يحافظ على توازنه بفضل قوة جاذبية الشعب الذي منحه الثقة وأوكله القرار، فكان الصدق مسباره حتى لو دفع ثمنه مما تسمى الشعبية فرصيد الضمير الشخصي والوطني المرتاح والعقل الذي يمكنه من أعلاء حق الشعب الفلسطيني ومصالحه أهم وأولى من عدد المصفقين الهتافين الذين سرعان ما ينطفئ لهيب انفعالاتهم مع انطفاء كلمات الخطيب النارية!

 

نشرت صحيفة معاريف عن الصحفي الإسرائيلي إيهود يعاري قوله حول نية بنيامين نتنياهو رئيس حكومة منظومة الاحتلال والاستعمار العنصري الإسرائيلي لضم الأغوار الفلسطينية وتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات في أراضي دولة فلسطين المحتلة منذ العام 1967 ما يلي: "هذه خطوة فارغة سنفقد الدعم من قوى مهمة في العالم تقف إلى جانبنا. سنثبت للعالم أن جميع الخطب التي نلقيها منذ عقود، بما في ذلك خطاب نتنياهو في بار إيلان، فارغة وتثبت إننا كذابون".. وقال أيضًا: "لا يوجد بلد في العالم يحترم نفسه يربط مصيره بالرجل الجالس في البيت الأبيض إنه جنون مطلق".

 

لا أسرار ولا معجزات ولا أسطورة وإنما هو هذا الاصرار على أن نكون الشعب الصادق، القائم على حقه بإخلاص ووفاء، وأن يكونوا منظومة الكذب العنصرية التي أخذت اليهود في العالم إلى مصائر مدمرة. 

 

لا أسرار ولا معجزات ولا أسطورة، وإنما لأن حركة التحرر الوطنية الفلسطينية أعظم من أي واحد يظن بنفسه القدرة على احتكار حقائقها ومفاتيح أسرار ديمومتها مهما بلغت سطوة هذا الذي يظن أن أمهات الشعب الفلسطيني قد توقفن عن الانجاب بعد ولادته، فهذا الشعب يعرف بمن يثق، ويستطيع التفريق بين المناضلين القادة، وبين محترفي التسلق على جبال الشهداء والأسرى والكفاح والعمل الوطني، وجبال المعاناة والآلام، ويعرف التمييز بين مناضل صنع لحظة في زمن الشعب الفلسطيني اللا محدود وبات كلمة في كتاب الشعب الفلسطيني وبين شخص يحاول فرض نفسه في هذا الكتاب ولو كفاصلة أو نقطة.

 

الشعب يعلم ويعرف المناضل وهو الذي يقدره ويراه قائدًا ويثني عليه ويوسمه برمزية القيادة، أما الذي يظن نفسه مولودًا وعلى جبهته ختم القيادة، فهو غر يحتاج إلى دروس ومرمغة ليس أقلها وضع مرآة له أينما حل ليرى نفسه أولاً.

 

 لا أسرار ولا أسطورة ولا معجزات فما بين الضم ولحظتنا يكمن مصيرنا ووجودنا، والوطني الحقيقي هو من سيصدق مع نفسه وحركته الوطنية وشعبه فيبادر للانضمام إلى خيمة العقل الوطني الفلسطيني المدبر ومعه إبداعاته وأفكاره وخططه، ويحسب أن الرجال للوطن خالصون صادقون.