آخر التهم المجلجلة التي تلقاها دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأميركية جاءته من وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس بأنه يسعى إلى تقسيم الولايات المتحدة الأميركية، وخطورة هذه التهمة أنها جاءت في ربع الساعة الأخير من الولاية الأولى لدونالد ترامب ووجوده في البيت الأبيض، وقد لا تكون أمامه فرصة لولاية ثانية حيث فرصه تحترق بسرعة، كما أنها جاءت من وزير الدفاع السابق، وقد مهد لها الطريق وزير الدفاع الأميركي الحالي (أسبر) الذي رفض أوامر ترامب باستخدام الجيش الأميركي في مواجهة الاحتجاجات الأميركية غير المسبوقة ضد الجريمة العنصرية المفضوحة من رجال الشرطة الذين قتلوا جورج فلويد بينما كان يستغيث بصوت مسموع (لا أستطيع التنفس) ولم يتوقف أحد من ضباط الشرطة البيض الأربعة الذين يلاحقهم القضاء حالياً، كما تم الكشف بأكبر قدر من الانكشاف، أن العنصرية عبارة عن مرض مستشرٍ داخل أميركا منذ زمن طويل، لكن أكبر قدر من العمل على نشر هذه العنصرية كمرض مستشرٍ جاء من دونالد ترامب منذ لحظة دخوله إلى البيت الأبيض، منذ قرابة أربع سنين، وكان يسارع إلى طرد أعضاء إدارته الذين يحذرونه من آرائه البغيضة لصالح العنصرية.
أعتقد أن دونالد ترامب قد دخل طوعًا بإرادته في دائرة الحظ السيئ والمصير المفزع، بردة الفعل على مقتل الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد، كما أنه دخل في مواجهة يائسة مع عمق وعدالة القضية الفلسطينية التي استهسل عمقها الخارق وخاصة بعد القرار المزلزل الذي اتخذته القيادة الفلسطينية بوقف العمل الشامل مع كل الاتفاقات والتفاهمات التي جرت سابقًا مع الحكومة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، ولعله الآن يعاني من موجة غضبه البائس، ولكن الحق أنه لا يجب أن يلوم سوى نفسه، لأنه سمح لحليفه نتنياهو أن يخدعه إلى هذا الحد، فقد وصلت به الخدع الإسرائيلية إلى الحد الاخير، وعليه أن يقرر بسرعة، هل يقفز من فوق هذا الجدار لينتحر، أم يختار طريق النجاة، ومعلوماتنا عنه أنه يلاحق أوهامه أو تغريداته، وأنه لم يكن يومًا موفقًا في الاختيار، ونظرة فاحصة إلى من اختارهم بإدارته ليصيغوا له صفقة العار، صفقة القرن تؤكد لنا أنه دائما سيئ الاختيار ويصدق الأوهام الملوثة لتي يقدمها له مستشاروه التافهون.
وكما قلنا سابقًا، فإن ما يحدث في أميركا، وفي البيت الأبيض يجد صداه وانعاكاساته في إسرائيل، وهناك أخبار تسربت في الأيام الأخيرة أن دونالد ترامب قد أصدر أمرًا لحليفه نتنياهو بإيقاف خطة الضم، فهل يستجيب نتنياهو أم يركب رأسه ويذهب لمواجهة الاحتشاد الفلسطيني العظيم؟ وما هو رأي المستوطنين لصوص الأرض الفلسطينية، خاصة أن الفلسطينيين لهم تجارب عميقة في المواجهة، فهم يضيئون في المواجهات كوجه الله، وآمالهم في إنهاء الاحتلال يعطيها أعظم شرعية من الاحتلال نفسه الذي لا يستطيع أن ينتج نفسه إلا بأقذر الأشكال؟
الوضع في أميركا محتقن للغاية وامتحان العنصرية الأميركية دائمًا يفضي إلى أوعر النتائج، فالشر لا يحيق بشكل كامل إلا بأهله، أما الخرافة الصهيونية فهي دائما تنتهي بالماسأة لصانعي هذه الخرافة، ويا فلسطين هذا الاحتشاد العظيم من شعبنا حول قيادته هو النور الذي يضج ليحرق ليل التطبيع، ويحرق كل خفافيش الظلام.