عندما يتم تناول الحرب التي شنتها إسرائيل على ثلاث دول عربية في الخامس من حزيران/ يونيو 1967، يتم التركيز على نتائج الحرب أكثر من المقدمات التي أدت اليها. وهذا أمر مبرر لأنه كما يقال المهم هو الخواتيم، ولكن في مثل هذه الحرب، فإن من المهم جدًا ملاحظة الأسباب والمقدمات التي قادت اليها، ومن الذي كان يسعى اليها حقيقة، العرب، والمقصود جمال عبد الناصر، أم إسرائيل؛ لان نتائج الحرب هي خلاصة مرحلة كانت ملامحها بدأت بعد تقسيم فلسطين عام 1947، وخلال حرب عام 1948.

قبل أسابيع، وخلال جائحة كورونا كنت أقرأ للكاتب والإعلامي الفلسطيني المخضرم ماهر عثمان، كتابًا عنوانه: الأردن في الوثائق السرية البريطانية (1953- 1957)، أحدى الأفكار المركزية للكتاب ان إسرائيل لم تتخلَ يومًا عن إطماعها في احتلال الضفة الغربية ولا عن سياستها التوسعية في كل الاتجاهات. حول هذه الفكرة اشار عثمان الى سلسلة الاعتداءات الاسرائيلية على الأردن التي كان من أبرزها مذبحة قبية عام 1953، ولاحقًا الهجوم على قرية السموع عام 1966.

وفي كتابه "التطهير العرقي في فلسطبن" أشار المؤرخ الإسرائيلي التقدمي ايلان بابيه، الى أن بن غوريون وعندما شعر إنه قادر على هزيمة الجيوش العربية في حرب عام 1948 أراد التمدد واحتلال شرق فلسطين، اي الضفة الغربية، إلا أن نصائح مستشاريه اجلت ذلك. المقصود من كل ذلك، أن هدف إسرائيل كان مبيتًا في احتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة.

الأمر ذاته بما يتعلق بالتوسع شمالاً، واحتلال منابع نهر الأردن ومخزن المياه في هضبة الجولان وجبل الشيخ، لذلك لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الجبهة السورية، وكان آخر هذه الاعتداءات في شهر أيار/ مايو، أي قبل أسابيع قليلة من الحرب. وما يمكن إضافته هنا دور إسرائيل في حرب السويس أو العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر عبد الناصر عام 1956، التي احتلت إسرائيل خلالها قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية. مجموعة الحقائق هذه تؤكد النوايا التوسعية لإسرائيل، وتحضيرها المستمر للحرب من أجل تحقيق هذه الأهداف.

هناك سياقات أخرى، شكلت مقدمة للحرب وأهدافًا إسرائيلية واستعمارية غربية لها. من أبرز هذه السياقات أن منطقة الشرق الاوسط تحولت الى ساحة استقطاب رئيسة خلال الحرب الباردة بين الشرق والغرب، بين المنظومة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتي من جهة، والدول الإمبريالية الرأسمالية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية من جهة اخرى. السياق الثاني، وهو ليس مفصولاً عن الأول، وهو رغبة إسرائيل والغرب بإفشال ووأد المشروع القومي النهضوي الوحدوي لجمال عبد الناصر. أما السياق الثالث وهو بمثابة الخطر المباشر لشن إسرائيل حرب حزيران هو عودة انبعاث الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية مجددا، عبر تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة بقيادة حركة فتح عام 1965.

إسرائيل كانت تعتقد أن الشعب الفلسطيني قد انتهى واندثر إثر نكبة عام 1948، إلا أن هذا الاعتقاد قد خاب، ومن هنا استوجب الخروج للحرب؛ لإنهاء كل ذلك وتحقيق الأهداف المبيتة في التوسع واحتلال ما تبقى من فلسطين، بالإضافة الى منابع المياه شمالاً، وأن تكون إسرائيل على قناة السويس جنوبا وضمان الممرات والمضائق البحرية لها.

إن كل المؤشرات والمقدمات تؤكد أن إسرائيل كانت تحضر لهذه الحرب وانها لم تكن مجرد فعل ورد فعل على سياسات وتصرفات عبد الناصر، أو رد فعل على العمليات الفدائية لفتح عبر خطوط الهدنة لاسرائيل وهي الدولة الوحيدة التي أبقت نفسها بلا حدود. لم تكن خطوط الهدنة، التي تم التوصل إليها مع الدول العربية عام 1949- إلا نقطة انطلاق لمزيد من التوسع الإسرائيلي. وإذا اردنا أن نربط الحاضر في هذا السياق التاريخي؛ فإن مخططات ضم مناطق في الضفة هي جزء لا يتجزأ من تلك الأهداف التوسعية المبيتة، التي تعتقد إسرائيل أنه بوجود إدارة ترامب هناك فرصة لتنفيذها. ومخطط الضم هو بالأساس تنفيذ لرؤية يغال الون، أحد أهم القادة الصهاينة، وهي الرؤية التي طرحها بعيد حرب 1967. وتقول: أرض أكثر وسكان أقل.