قرار محكمة العدل الدولية الاحترازي الصادر في شهر يناير / كانون الثاني الماضي حمل إسرائيل مسؤولية اتخاذ التدابير الاحترازية لمنع الإبادة الجماعية وطالبت باتخاذ تدابير احترازية  للحيلولة دون تفاقم الأوضاع الحياتية في غزة. 
جوهر ومضمون اتفاقية الإبادة الجماعية هو أنها ليست مجرد "قتل جماعي" ولو للمدنيين، بل هي مصطلح يشير إلى محاولة تدمير شعب ما، وهو بالتالي يشمل 4 وسائل غير القتل، مثل "التسبب في أذى جسدي أو نفسي خطير"، و"إلحاق الضرر بظروف الحياة لإحداث الدمار الجسدي للمجموعة"، و"فرض تدابير لمنع الولادات"، وأخيرًا "نقل الأطفال قسرًا من مجموعة إلى أخرى". في ظل زيادة أعداد الضحايا وارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني بعد قرار محكمة العدل الدولية، وأن الأزمة الإنسانية تفاقمت حيث أعربت العديد من المنظمات الدولية عن قلقها الصريح وتحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية بسبب انعدام الغذاء والماء والدواء.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 75% من سكان غزة هجروا من منازلهم قبل أواخر مارس/آذار الجاري، ورجحت أن يؤدي الهجوم المحتمل على رفح إلى تفاقم الوضع بشكل كبير، كما توقع تحليل أجراه "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" الذي يراقب الأزمات، أن يواجه نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2 مليون ويزيد  ظروفا كارثية بحلول منتصف الصيف، تصل إلى المرحلة الخامسة، أي "المجاعة"، وهي أسوأ مراحل تصنيفها.
الأزمة الإنسانية التي يعاني منها سكان غزة  بحسب توصيف "قانون الإبادة الجماعية " وتخوف محكمة العدل الدولية بحد ذاته يشكل إبادة جماعية ومن أعمال الإبادة الجماعية، من الناحية القانونية، أن الظروف التي يعيشها سكان غزة "متعمدة"، ومخطط لها وهدفها  "لتدمير" السكان الفلسطينيين في غزة.
لم تكن إسرائيل معزولة على مستوى العالم مثلما هي اليوم جراء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة، وهي ظاهرة ترافقت مع عودة القضية الفلسطينية إلى صدارة السياسة العالمية، وذلك بعد سنوات شهدت تعزز مكانة إسرائيل الدولية، ونجاحها في تعزيز علاقاتها الثنائية مع عدد من الدول التي كانت معادية لها في السابق، لا سيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة غيرت الكثير من المعطيات وتجاوباً من الرأي العام العالمي المتعاطف مع نكبة الفلسطينيين في قطاع غزة، نددت العديد من حكومات دول العالم بالحرب التي تشنها إسرائيل وبانتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني، وصارت تدعو بإلحاح إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإلى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
هناك تحول في الموقف الأميركي ويمكن البناء عليه والتحول عدم استعمال أميركا حق النقض الفيتو ضد  قرار مجلس الأمن "رقم 2728" والقرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، ويطالب بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة.


ويرى العديد من المحللين أن تمرير هذا القرار يمثّل "تحولاً" في مواقف إدارة الرئيس جو بايدن، التي عرقلت حتى الآن صدور أي قرار عن المجلس يدعو إلى وقف إطلاق النار. وهم يعزون هذا "التحوّل" إلى "نقمة" هذه الإدارة على شخص بنيامين نتنياهو تحديداً وعزمه، خلافاً للتحذير الأميركي، على توسيع نطاق الحرب الإسرائيلية البرية لتشمل محافظة رفح، وليس إلى تغيّر حقيقي في مواقف الدعم العسكري والسياسي الأميركي لإسرائيل، كما يعزونه إلى عوامل داخلية تتعلق بتراجع سمعة الرئيس الأميركي بين الناخبين الشباب في قاعدة الحزب الديمقراطي، وكذلك لدى المجتمع الدولي. ويشير مارتن إنديك، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، في هذا الصدد إلى أن "الرفض الشعبي الدولي، الذي لم يسبق له مثيل من حيث النطاق والشدة" للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، امتد إلى الولايات المتحدة، إذ "إن التقدميين، والشباب، والأميركيين العرب في الحزب الديمقراطي غاضبون وينتقدون السيد بايدن بشدة بسبب دعمه لإسرائيل.

والسؤال الذي يُطرح الآن هو: هل سينجم عن هذه العزلة الدولية، التي لا سابق لها، لإسرائيل، مكاسب سياسية ملموسة تضع الشعب الفلسطيني أخيراً على طريق التحرر، أم أن نكبة الفلسطينيين في قطاع غزة، التي لعلها أقسى من نكبة سنة 1948، ستسجل بصفتها مأساة جديدة في سجل مآسي هذا الشعب الذي تحمّل ما لم يتحمّله أي شعب آخر في العالم من ظلم مستعمريه وحماتهم في ما وراء المحيط!
بات مطلوب البناء على هذه التغيرات بإلزام إسرائيل لضرورة التقيد والالتزام بقرارات الشرعية الدولية والاعتراف بدولة فلسطين عضو كامل العضوية وعقد مؤتمر دولي يلزم إسرائيل من الانسحاب من كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن ضمنها القدس حتى يتسنى تحقيق الأمن والسلام والاستقرار لتعم منطقة الشرق الأوسط.