في الوقت الذي تعمل فيه القيادة وفصائل منظمة التحرير على ترميم الجسور مع حركة حماس، وتغليب المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، والسعي لإيجاد قواسم مشتركة على الحد الأدنى لمواجهة صفقة القرن والضم لأجزاء كبيرة من الضفة الفلسطينية، والتحلل من كل الاتفاقات المبرمة بينها وبين دولة الاستعمار الإسرائيلية ومن خلفها إدارة الرئيس ترامب الأفنجليكانية، مع ذلك نجد أن كلا الحركتين تعمل بخط متواز على التهرب من استحقاقات المواجهة. ولكوني أعلم أن خلفية الجهاد الإسلامي تختلف نسبيًا عن خلفية حركة الانقلاب الحمساوية، رغم التقاطعات الكبيرة بينهما ارتباطًا بالأجندة الأقليمية الناظمة لكليهما، سأقصر حديثي ونقاشي مع مواقف بعض رموز حماس، وعلى أرضية الرد على الافتراءات والأكاذيب، ومن جهة أخرى محاولة إظهار خلفية برنامجها ومخططها، الذي أكدته هنا عشرات، لا بل مئات المرات، ومن جهة أخرى مخاطبة التيار الإيجابي فيها، لعل هذا الفريق يراجع ذاته، ويتمكن من الخروج عن صمته، ويقوم بالدفع بالجهود الإيجابية للأمام.
بعد إعلان الرئيس أبو مازن في اجتماع القيادة يوم الثلاثاء الموافق 19/5/2020 عن تحلل القيادة ومنظمة التحرير من كل الاتفاقات المبرمة مع إسرائيل وإدارة ترامب بما في ذلك التنسيق الأمني. جاء الرد في البداية من قبل العديد من قيادات الحركة مقبولاً وحذرًا في آن، رغم أنهم وحركة الجهاد رفضوا المشاركة في الاجتماع القيادي بذرائع واهية، مع العلم أنهم ومنذ الإعلان عن اتفاقات أوسلو في 1993 وبعد إقامة السلطة الوطنية، وهم يصرخوا ويجأرون بأعلى صوتهم بـ"رفض الاتفاقات"، ويدعون أنهم مع "تحرير كامل التراب الوطني من النهر إلى البحر." ونفذوا سلسلة من العمليات لـ"تأكيد" موقفهم "الرافض" للاتفاقات (مع العلم أن تلك العمليات، ورغم سقوط الشهداء الأبرياء، كانت تتم بالتنسيق والتكامل مع الأعداء الإسرائيليين). وبعد الانقلاب على الشرعية الوطنية اواسط عام 2007 تغير خطاب قيادة حركة حماس، وأمسى أي إطلاق للصواريخ من محافظات الجنوب، أمراً مرفوضا، وباتت المقاومة من القطاع عملا "إجراميًا"، لا يمت للوطنية بصلة.
المهم هنا أن قيادة حماس بعد تحلل القيادة من الاتفاقات لم تجد ما تقوله، سوى التذرع بحجج لا تمت للمنطق بصلة، وكما جاء في مقابلة الدكتور الزهار مع جريدة "الاستقلال" امس 5/6/2020، التي ادعى فيها، ان "المصالحة ما زالت بعيدة لأن منظمة التحرير لا تستطيع الخروج من إطار العباءة الإسرائيلية الضاغطة، إلى جانب الإدارة الأميركية وبعض الدول الأوروبية." وهذا الافتراء الأكبر، وأضاف المعبر الحقيقي عن شر توجهات الانقلاب قائلاً، "إذا ارادوا (السلطة وفتح) المصالحة، فهم يريدون أن يأخذوا تحت غطائها الطرف المعارض، كحماس والجهاد والجبهة وغيرها إلى حضن منظمة التحرير ليكونوا سواسية في الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، واتفاقيات أوسلو." عن أي معارضة يتحدث الزهار؟ وهل حقيقة حركته تمثل دور المعارضة، أم حركة نفي للهوية الوطنية؟ وعمق فكرته القديمة الجديدة عن منظمة التحرير، التي تقول بأنها "سيئة صيت وسمعة"، بعد أن اعترفت بالكيان الإسرائيلي، وتنازلت عن الأرض المحتلة سنة 1948، وجعلت من التعاون الأمني تجسسا مقدسا." يا رجل أخجل قليلًا من نفسك، ودورك التاريخي كمخبر للإدارة الإسرائيلية المدنية؟ والأنكى أنه حاول اللعب على دلالات المفاهيم اللغوية، حين طالب السلطة بـ"إلغاء الاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي، وليس الاكتفاء بإعلان التحلل منها." وكان قبل ذلك غرد إسماعيل هنية في ذات السياق، وغيره من المتحدثين باسم حركتهم الانقلابية تناغموا مع ذلك.
الخلاصة ومن دون إطالة واسترسال في الشرح وتكثيف الرد، أولاً حركة حماس ترفع شعارات غوغائية كاذبة للتحريض على القيادة الفلسطينية، وفي ذات الوقت تقوم على الأرض بفتح وتوسيع الخيوط المفتوحة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تشكيل هيئة شؤون مدنية بقيادة المنسق غازي حمد، في الوقت الذي أوقفت القيادة كل أشكال التنسيق مع إسرائيل؛ ثانيًا تعمل بشكل وثيق مع دولة إسرائيل وإدارة ترامب وبعض العرب والمسلمين وقيادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين على وراثة منظمة التحرير، ونفي الهوية والشخصية الوطنية من خلال عملية التضليل والكذب؛ ثالثًا التحلل من كل الاتفاقات يعني يا "دكتور" زهار إلغاء الاتفاقات، والقائها في المزبلة، وليس شيئًا آخر نهائيًا، ولا يوجد بين منظمة التحرير الآن، أو أي من مؤسساتها بما في ذلك السلطة الوطنية أي صلة مع أي جهة إسرائيلية أو أميركية؛ رابعًا تعلم أن الجميع يعلم موقفك الشخصي وموقف قيادتك ومرجعيتك الإخوانية من منظمة التحرير الفلسطينية، أم تريد أن أذكرك بما ابلغته شخصيًا أنت لقيادة الجبهة الشعبية عشية تشكيل حكومتكم العاشرة عام 2006 عن كيفية تعاملكم مع منظمة التحرير كحالة إعلامية تضليلية للضحك على الجماهير، وبالتالي لم تضف جديدا لهدفك وهدف قيادتك بالتخلص من الممثل الشرعي والوحيد، منظمة التحرير، وكل من يتساوق معكم في هذا الأمر أيا كان موقعه وخلفيته الفكرية والسياسية، فهو خارج عن الهوية والشخصية الوطنية، ويعتبر رديفا لسياساتكم الخطيرة؛ خامسًا رغم كل ذلك، أتمنى على كل شخص أو مجموعة يهمها الشأن الوطني، ومستقبل الكفاح التحرري في حركة حماس، رفع الصوت عاليا ضد السياسات الخطيرة، التي تنفذها قيادة الانقلاب، والخروج من دائرة أوهام بناء الإمارة على حساب مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، لأنه لا مستقبل أبدًا للانقلاب مهما طال الزمن أو قصر؛ سادسًا العودة لحديث التحرير الكاذب من البحر للنهر، لا يعدو اكثر من ثرثرة ديماغوجية مفضوحة، فأنتم بعتم الوطن كله، ودمرتم المشروع الوطني، ومزقتم وحدة الشعب والأرض والقضية بانتهاجكم السياسة الذرائعية، وتعملون من اجل التمترس والتخندق في نطاق الإمارة في غزة على مساحة 362 كم2 وليس على مساحة 22% من فلسطين التاريخية، التي تعادل ما يزيد على 6000 كم2؛ سابعًا وبعيدا عن موضوع المصالحة، هل لديكم الرغبة والاستعداد والإرادة للتعاون مع قيادة منظمة التحرير على مواجهة صفقة القرن وعملية الضم؟ وهل انتم مستعدون على أقل تقدير للشراكة الميدانية في مواجهة عملية الضم وصفقة الشر تحت قيادة موحدة، وعلى أرضية برنامج عمل مشترك؟ أليست هذه مطالباتكم سابقًا؟ وهل تعتقدون ان إسرائيل ستقبل بكم لقيادة أي جزء من فلسطين؟ إن كنتم تعتقدون ذلك، فأنتم واهمون وسطحيون، لأن مصير كل العملاء مهما علا شأنهم مزبلة التاريخ والخيانة.
إذا كنتم جاهزين ( وأنا لا أعتقد بذلك، لأن المكتوب يقرأ من عنوانه) فتفضلوا أبواب التعاون والتكامل مفتوحة لكم مع الكل الوطني. ولا يوجد حسبما أرى واعتقد فصيل أو شخص ضد التعاون على أرضية وطنية واضحة لمواجهة التحدي الأخطر الآن على مستقبل الشعب العربي الفلسطيني. وبالنتيجة جاءت حماس برغبتها أو رغمًا عنها، يفترض العمل بكل الوسائل الممكنة والمتاحة على طي صفحة الانقلاب، لأن المواجهة والتحدي الماثل على الأرض يحتاج إلى رص الصفوف وترتيب شؤون البيت الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.